للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِنَاء على تعدد الْقَضِيَّة -

٦٠٧٦ - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ سَلَمَة حَدثنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ عنْ يُونُسَ عنْ زِيادِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابنِ عُمَرَ فَسألهُ رجُلٌ فَقَالَ: نَذَرْتُ أنْ أصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثُلَاثَاءَ أوْ أرْبِعَاءَ مَا عِشْتُ، فَوَافَقْتُ هَذَا اليَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: أمَرَ الله بِوَفاءِ النَّذْرِ، ونُهِينا أنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ، فأعادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ مِثْلَهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث ٤٩٩١ وطرفه) .

هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث ابْن عمر، وَيُونُس هوابن عبيد مُصَغرًا، أَو زِيَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن جُبَير بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر جبر.

والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب الصَّوْم فِي: بَاب الصَّوْم فِي يَوْم النَّحْر.

قَوْله: (ثلاثاء أَو أربعاء) شكّ من الرَّاوِي وهما لَا ينصرفان لأجل ألف التَّأْنِيث الممدودة كألف حَمْرَاء وسمراء وَنَحْوهمَا، ويجمعان على ثلاثاوات والأربعاوات، بِكَسْر الْبَاء، وَحكي عَن بعض بني أَسد فتحهَا. قَوْله: (أَمر الله) حَيْثُ قَالَ: {وليوفوا نذورهم} (الْحَج: ٩٢) قَوْله: (ونهينا) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْعرْف شَاهد بِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الناهي. قَوْله: (فَأَعَادَ إِلَيْهِ) أَي: أعَاد الرجل كَلَامه على ابْن عمر. قَوْله: (فَقَالَ مثله) أَي: فَقَالَ ابْن عمر مثل مَا قَالَ فِي الأول (لَا يزِيد عَلَيْهِ) أَي: لَا يقطع بِلَا أَو نعم، وَهَذَا من غَايَة ورعه حَيْثُ توقف فِي الْجَزْم بِأَحَدِهِمَا لتعارض الدَّلِيلَيْنِ عِنْده، وَفِي (التَّوْضِيح) : جَوَاب ابْن عمر جَوَاب من أشكل عِنْده الحكم فتوقف، نعم جَوَابه أَن لَا يصام وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة. انْتهى.

قلت: وَفِي سِيَاق الرِّوَايَة إِشْعَار بِأَن الرَّاجِح عِنْده الْمَنْع على مَا لَا يخفى.

٣٣ - (بابٌ هَلْ يَدْخلُ فِي الأيْمانِ والنُّذُور الأرْضُ والغَنَمُ والزُّرُوعُ والأمْتِعَةُ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يدْخل فِي الْأَيْمَان ... إِلَى آخِره، يَعْنِي: هَل يَصح الْيَمين وَالنّذر على الْأَعْيَان؟ فصورة الْيَمين نَحْو قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن هَذِه الشملة لتشتعل، عَلَيْهِ نَارا) ، وَصُورَة النّذر مثل أَن يَقُول: هَذِه الأَرْض لله نذرا، وَنَحْوه. وَقَالَ الْمُهلب: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا أَن يبين أَن المَال يَقع على كل متملك، أَلا ترى قَول عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أصبت أَرضًا لم أصب مَالا قطّ أنفس مِنْهُ، وَقَول أبي طَلْحَة: أحب الْأَمْوَال إِلَيّ بيرحاء، وهم الْقدْوَة فِي الفصاحة وَمَعْرِفَة لِسَان الْعَرَب؟ وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا الرَّد على أبي حنيفَة، فَإِنَّهُ يَقُول: إِن من حلف أَو نذر أَن يتَصَدَّق بِمَالِه كُله فَإِنَّهُ لَا يَقع يَمِينه ونذره من الْأَمْوَال إلَاّ على مَا فِيهِ الزَّكَاة خَاصَّة. انْتهى.

قلت: قد كثر اخْتلَافهمْ فِي تَفْسِير المَال حَيْثُ قَالَ ابْن عبد الْبر وَآخَرُونَ: إِن المَال فِي لُغَة دوس، قَبيلَة أبي هُرَيْرَة، غير الْعين كالعروض وَالثيَاب، وَعند جمَاعَة: المَال هُوَ الْعين كالذهب وَالْفِضَّة خَاصَّة، وَحكى المطرزي أَن المَال هُوَ الصَّامِت كالذهب وَالْفِضَّة والناطق، وَحكى القالي عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: المَال عِنْد الْعَرَب أَقَله مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة، وَمَا نقص عَن ذَلِك فَلَا يُقَال لَهُ مَال. وَقَالَ ابْن سَيّده فِي (العريض) : الْعَرَب لَا توقع اسْم المَال مُطلقًا إلَاّ على الْإِبِل لشرفها عِنْدهم وَكَثْرَة غنائها، قَالَ: وَرُبمَا أوقعوه على أَنْوَاع الْمَوَاشِي كلهَا، وَمِنْهُم من أوقعه على جَمِيع مَا يملكهُ الْإِنْسَان لقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم} (النِّسَاء: ٥) فَلم يخص شَيْئا دون شَيْء، وَهُوَ اخْتِيَار كثير من الْمُتَأَخِّرين، فَلَمَّا رأى البُخَارِيّ هَذَا الِاخْتِلَاف أَشَارَ إِلَى أَن المَال يَقع على كل متملك، كَمَا حكى عَنهُ الْمُهلب، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، فتبيَّن من ذَلِك أَنه اخْتَار هَذَا القَوْل فَلَا حَاجَة إِلَى قَول صَاحب (التَّوْضِيح) : إِنَّه أَرَادَ بِهِ الرَّد على أبي حنيفَة، لِأَنَّهُ اخْتَار قولا من الْأَقْوَال فَكَذَلِك اخْتَار أَبُو حنيفَة قولا من الْأَقْوَال، فَلَا اخْتِصَاص بِذكر الرَّد عَلَيْهِ خَاصَّة، وَلَكِن عرق العصبية الْبَاطِلَة نَزعه إِلَى ذَلِك.

وَقَالَ ابنُ عُمَرَ: قَالَ عُمَرُ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أصَبْتُ أرْضاً لَمْ أصِبْ مَالا قَطُّ أنْفَسَ مِنْهُ، قَالَ: (إنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أصْلَها وتَصَدَّقْتَ بِها) .

ذكر هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن الأَرْض يُطلق عَلَيْهَا المَال، وَهَذَا تَعْلِيق ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب الْوَصَايَا مَوْصُولا. قَوْله: حبست،

<<  <  ج: ص:  >  >>