من الْبعد، فَأَما الْمُصَلِّي وَحده، وَالَّذِي يُصَلِّي فِي مَسْجِد قومه، فَالَّذِي أحب لَهُ أَن لَا يُؤَخر الصَّلَاة فِي شدَّة الْحر. قَالَ أَبُو عِيسَى ومعن، من ذهب إِلَى تَأْخِير الظّهْر فِي شدَّة الْحر فَهُوَ أولى وأشبه بالاتباع، وَأما مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي أَن الرُّخْصَة لمن ينتاب من الْبعد وللمشقة على النَّاس فَإِن فِي حَدِيث أبي ذَر مَا يدل على خلاف مَا قَالَه الشَّافِعِي. قَالَ أَبُو ذَر: (كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَأذن بِلَال بِصَلَاة الظّهْر، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا بِلَال أبرد ثمَّ أبرد) فَلَو كَانَ الْأَمر على مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي لم يكن للإبراد فِي ذَلِك الْوَقْت معنى لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي السّفر، فَكَانُوا لَا يَحْتَاجُونَ أَن ينتابوا من الْبعد، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَقُول: لَا نسلم إجتماعهم لِأَن الْعَادة فِي القوافل سِيمَا فِي العساكر الْكَثِيرَة تفرقهم فِي أَطْرَاف الْمنزل لمصَالح مَعَ التَّخْفِيف على الاصحاب، وَطلب المرعى وَغَيره، خُصُوصا إِذا كَانَ فِيهِ سُلْطَان جليل الْقدر فَإِنَّهُم يتباعدون عَنهُ احتراما وتعظيما لَهُ. قلت: هَذَا لَيْسَ برد موجه لكَلَام التِّرْمِذِيّ فَإِن كَلَامه على الْغَالِب، وَالْغَالِب فِي الْمُسَافِرين اجْتِمَاعهم فِي مَوضِع وَاحِد لِأَن السّفر مَظَنَّة الْخَوْف، سِيمَا إِذا كَانَ عَسْكَر خَرجُوا لأجل الْحَرْب مَعَ الْأَعْدَاء. وَقَالَ بَعضهم، عقيب كَلَام الْكرْمَانِي: وَأَيْضًا فَلم تجر عَادَتهم باتخاذ خباء كَبِير يجمعهُمْ، بل كَانُوا يتفرقون فِي ظلال الشّجر، لَيْسَ هُنَاكَ كن يَمْشُونَ فِيهِ، فَلَيْسَ فِي سِيَاق الحَدِيث مَا يُخَالف مَا قَالَه الشَّافِعِي، وغايته أَنه استنبط من النَّص الْعَام معنى يَخُصُّهُ. انْتهى. قلت: هَذَا أَكثر بعدا من كَلَام الْكرْمَانِي لِأَن فِيهِ إِسْقَاط الْعَمَل بِعُمُوم النُّصُوص الْوَارِدَة فِي الْإِبْرَاد بِالظّهْرِ بأَشْيَاء ملفقة من الْخَارِج. وَقَوله: فَلَيْسَ فِي سِيَاق الحَدِيث ... إِلَى آخِره، غير صَحِيح، لِأَن الْخلاف لظَاهِر الحَدِيث صَرِيح لَا يخفى، لِأَن ظَاهره عَام، وَالتَّقْيِيد بِالْمَسْجِدِ الَّذِي ينتاب أَهله من الْبعد خلاف ظَاهر الحَدِيث، والاستنباط من النَّص الْعَام معنى يخصصه لَا يجوز عِنْد الْأَكْثَرين، وَلَئِن سلمنَا فَلَا بُد من دَلِيل للتخصيص، وَلَا دَلِيل لذَلِك. هَهُنَا.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رضِيَ الله عَنْهُمَا تَتَفَيَّأُ تَتَمَيَّلُ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {يتفيأ ظلاله} (النَّحْل: ٤٨) . أَن مَعْنَاهُ: يتميل، كَأَنَّهُ أَرَادَ أَن الْفَيْء سمي بِهِ لِأَنَّهُ ظلّ مَال إِلَى جِهَة غير الْجِهَة الأولى. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: تفيأت الظلال، أَي: تقلبت، ويتفيؤ، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف أَي، وفاعله مَحْذُوف تَقْدِيره: يتفيأ الظل، ويروى تتفيأ: بِالتَّاءِ، الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: الظلال.
ومناسبة ذكر هَذَا عَن ابْن عَبَّاس لأجل مَا فِي حَدِيث الْبَاب: (حَتَّى رَأينَا فَيْء التلول) ، وَهَذَا تَعْلِيق وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وكريمة، وَقد وَصله ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره.
١١ - (بابٌ وَقْتُ الظهْرِ عِنْدَ الزَّوَال)
أَي: هَذَا بَاب، وَيجوز فِي: بَاب، التَّنْوِين على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، كَمَا قدرناه. وَيجوز أَن يكون بِالْإِضَافَة وَالتَّقْدِير: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن وَقت الظّهْر، أَي: ابتداؤه عِنْد زَوَال الشَّمْس عَن كبد السَّمَاء وميلها إِلَى جِهَة الْمغرب.
وَقَالَ جابرٌ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِالْهَاجِرَةِ
هَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث جَابر ذكره البُخَارِيّ مَوْصُولا فِي بَاب وَقت الْمغرب، رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن بشار، وَفِيه: (فسألنا جَابر بن عبد الله فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الظّهْر بالهاجرة) والهاجرة: نصف النَّهَار عِنْد اشتداد الْحر، وَلَا يُعَارض هَذَا حَدِيث الْإِبْرَاد لِأَنَّهُ ثَبت بِالْفِعْلِ، وَحَدِيث الْإِبْرَاد بِالْفِعْلِ، وَالْقَوْل، فيرجح على ذَلِك. وَقيل: إِنَّه مَنْسُوخ بِحَدِيث الْإِبْرَاد لِأَنَّهُ مُتَأَخّر عَنهُ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: الْإِبْرَاد تَأْخِير الظّهْر أدنى تَأْخِير بِحَيْثُ يَقع الظل، وَلَا يخرج بذلك عَن حد التهجير، فَإِن الهاجرة تطلق على الْوَقْت إِلَى أَن يقرب الْعَصْر. قلت: بِأَدْنَى التَّأْخِير لَا يحصل الْإِبْرَاد، وَلم يقل أحد: إِن الهاجرة تمتد إِلَى قرب الْعَصْر.
٥٤٠ - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي أنَسُ بنُ مَالِكٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ فَقَامَ عَلَى المنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ فَذَكَرَ أنَّ فِيهَا أُمُورا عِظَاما ثُمَّ قَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ فَلَا تَسْأَلُونِي عنْ شَيْءٍ إلَاّ أخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا فأَكْثَرَ النَّاسُ فِي البُكَاءِ وأكْثَرَ أنْ يَقُولَ سَلُونِي فَقَامَ عَبْدُ الله بنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ فَقَالَ مَنْ أبي قَالَ أبُوكَ حَذافةُ ثُمَّ أكْثَرَ أنْ يَقُولَ سَلُونِي فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فقالَ رَضِينَا بِالله رَبّا وبِالإسْلَامِ دِينا وبِمُحَمَّدٍ نَبِيَّا فَسَكَتَ ثُمَّ قالَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ والنَّارُ آنِفا فِي عُرْضِ هَذَا الحَائِطِ فَلَمْ أرَ كَالْخَيْرِ والشَّرِّ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (خرج حِين زاغت الشَّمْس فصلى الظّهْر) ، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مضى فِي كتاب الْعلم فِي بَاب من برك على رُكْبَتَيْهِ عِنْد الإِمَام أَو الْمُحدث، وَمتْن الحَدِيث أَيْضا مُخْتَصرا، وَالزِّيَادَة هُنَا من قَوْله: (خرج حِين زاغت الشَّمْس) إِلَى قَوْله: (فَقَامَ عبد الله بن حذافة) وَكَذَا قَوْله: (ثمَّ قَالَ عرضت) إِلَى آخِره. قَوْله: (حِين زاغت) أَي: حِين مَالَتْ، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ زَالَت، وَهَذَا يَقْتَضِي أَن زَوَال الشَّمْس أول وَقت الظّهْر، إِذا لم ينْقل عَنهُ أَنه صلى قبله، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الْإِجْمَاع. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع الْعلمَاء على أَن وَقت الظّهْر زَوَال الشَّمْس، وَذكر ابْن بطال عَن الْكَرْخِي عَن أبي حنيفَة: أَن الصَّلَاة فِي أول الْوَقْت تقع نفلا، قَالَ: وَالْفُقَهَاء بأسرهم على خلاف قَوْله. قلت: ذكر أَصْحَابنَا أَن هَذَا قَول ضَعِيف نقل عَن