كانَ يَوْمِي سَكَنَ. .
هَذَا الْإِسْنَاد بِعَين الْإِسْنَاد الأول وَهُوَ أَيْضا مُرْسل، قيل: ظَاهره كَذَا، وَلَكِن قَول عَائِشَة فِي آخر الحَدِيث: قَالَت عَائِشَة، يُوضح أَن كُله مَوْصُول.
قَوْله: (فِي مَرضه) أَي: مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: قَالَت: إِن كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليتفقد، يَقُول: أَيْن أَنا الْيَوْم؟ أَيْن أَنا غَدا؟ استبطاء ليَوْم عَائِشَة، وَهنا حرصاً أَي: لأجل حرصه على بَيت عَائِشَة. قَوْله: (فَلَمَّا كَانَ يومي سكن) ، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: مَاتَ أَو سكت عَن هَذَا القَوْل، وَقَالَ بَعضهم: الثَّانِي هُوَ الصَّحِيح، وَالْأول خطأ صَرِيح. قلت: الْخَطَأ الصَّرِيح تخطئته، لِأَن فِي رِوَايَة مُسلم: فَلَمَّا كَانَ يومي قَبضه الله بَين سحرِي وَنَحْرِي، وَالسحر، بِفَتْح السِّين وَضمّهَا وَإِسْكَان الْحَاء: الرئة وَمَا تعلق بهَا.
٥٧٧٣ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوهَّابِ حدَّثنا حَمَّادٌ حدَّثنا هِشَامٌ عنْ أبِيهِ قَالَ كانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عائِشةَ قالَتْ عائِشَةُ فاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سلَمَةَ فقُلْنَ يَا أُمَّ سلَمَةَ وَالله إنَّ النَّاسَ يتَحَرَّوْنَ بِهَدَاياهُمْ يَوْمَ عائِشَةَ وإنَّا نُرِيدُ الخَيْرَ كَما تُرِيدُهُ عائِشَةُ فَمُرِي رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يأمُرَ النَّاسَ أنْ يُهْدُوا إلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ أوْحيْتُ مَا دَارَ قالَتْ فذَكَرَتْ ذالِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلْنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ فأعْرَضَ عَنِّي فلَمَّا عادَ إلَيَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ فأعْرَضَ عَنِّي فلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ يَا أُمَّ سلَمَةَ لَا تُؤْذِينِي فِي عائِشَةَ فإنَّهُ وَالله مَا نزَلَ علَيَّ الوَحْيُ وأنَا فِي لِحافِ امْرَأةٍ مِنْكُنَّ غيْرَهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لَا تؤذيني فِي عَائِشَة) إِلَى آخِره. وَعبد الله بن عبد الْوَهَّاب أَبُو مُحَمَّد الحَجبي الْبَصْرِيّ، مَاتَ فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير. والْحَدِيث مر فِي كتاب الْهِبَة فِي: بَاب قبُول الْهَدِيَّة، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (يتحرون) ، أَي: يقصدون ويجتهدون. قَوْله: (وَإِنَّا نُرِيد الْخَيْر) ، بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر، وَأم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ وَاسْمهَا: هِنْد، وَقد مر غير مرّة. قَوْله: (فمري) أَي: قولي، وَبِه يسْتَدلّ على أَن الْعُلُوّ والاستعلاء لَا يشْتَرط فِي الْأَمر. قَوْله: (فِي لِحَاف) ، وَهُوَ اسْم مَا يتغطى بِهِ، قَالَ الْكرْمَانِي: والمعتنون بِهَذَا الْكتاب من الشُّيُوخ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، ضبطوه فَقَالُوا: هَهُنَا منتصف الْكتاب، أَي: كتاب البُخَارِيّ. وَبَاب مَنَاقِب الْأَنْصَار هُوَ ابْتِدَاء النّصْف الْأَخير مِنْهُ.
١ - (بابُ مَناقِبِ الأنصَارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي مَنَاقِب الْأَنْصَار، وَالْأَنْصَار جمع نصير مثل شرِيف وأشراف، والنصير النَّاصِر وَجمعه: نصر مثل صَاحب وَصَحب، وَالْأَنْصَار إسم إسلامي سمي بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَوْس والخزرج وحلفاءهم، والأوس ينتسبون إِلَى أَوْس بن حَارِثَة، والخزرج ينتسبون إِلَى الْخَزْرَج بن حَارِثَة، وهما ابْنا قيلة بنت الأرقم بن عَمْرو بن جَفْنَة، وَقيل: قيلة بنت كَاهِل بن عذرة بن سعد ابْن قضاعة، وأبوهما حَارِثَة بن ثَعْلَبَة من الْيمن.
وقَوْلِ الله عز وجلَّ {والَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ والإيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إلَيْهِمْ ولَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا} (الْحَشْر: ٩) .
وَقَول الله عز وَجل، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: مَنَاقِب الْأَنْصَار، لِأَنَّهُ مُضَاف مجرور بِإِضَافَة الْبَاب إِلَيْهِ، وَفِي النّسخ الَّتِي لم يذكر فِيهَا لفظ: بَاب، يكون مَرْفُوعا، لِأَنَّهُ يكون عطفا على لفظ: المناقب أَيْضا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون مَرْفُوعا على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هَذَا مَنَاقِب الْأَنْصَار، يَعْنِي: هَذَا الَّذِي نذكرهُ مَنَاقِب الْأَنْصَار. قَوْله: وَالَّذين تبوؤا} (الْحَشْر: ٩) . أَي: اتَّخذُوا ولزموا، والتبوؤ فِي الأَصْل التَّمَكُّن والاستقرار، وَالْمرَاد بِالدَّار: دَار الْهِجْرَة نزلها الْأَنْصَار قبل الْمُهَاجِرين وابتنوا الْمَسَاجِد قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِسنتَيْنِ فَأحْسن الله عَلَيْهِم الثَّنَاء. قَوْله: (وَالْإِيمَان) فِيهِ إِضْمَار أَي: وآثروا الْإِيمَان، وَهَذَا من قبيل قَول الشَّاعِر:
علفتها تبناً وَمَاء بَارِدًا
وَزعم مُحَمَّد بن الْحسن بن زبالة أَن الْإِيمَان اسْم من أَسمَاء الْمَدِينَة، وَاحْتج بِالْآيَةِ، وَلَا حجَّة لَهُ فِيهَا، لِأَن الْإِيمَان لَيْسَ بمَكَان. قَوْله: (من قبلهم) أَي: من قبل الْمُهَاجِرين. قَوْله: (يحبونَ من هَاجر إِلَيْهِم) أَي: من الْمُسلمين حَتَّى بلغ من محبتهم أَن نزلُوا لَهُم عَن نِسَائِهِم وشاطروهم أَمْوَالهم ومساكنهم. قَوْله: (حَاجَة) أَي: حسداً وغيظاً مِمَّا أُوتِيَ الْمُهَاجِرُونَ، وَقد مر شَيْء من ذَلِك فِي أَوَائِل مَنَاقِب عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
٦٧٧٣ - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا مَهْدِي بنُ مَيْمُونٍ حدَّثنا غَيْلَانُ بنُ جَرِيرٍ قَالَ قُلْتُ لأِنَسٍ أرَأيْتُمْ اسْمَ الأنْصَارِ كُنْتُمْ تُسَمُّونَ بِهِ أمْ سَمَّاكُمُ الله قَالَ بَلْ سَمَّانَا الله كُنَّا نَدْخُلُ علَى أنَسٍ فَيُحَدِّثُنَا مَناقِبَ الأنْصَارِ ومَشَاهِدَهُمْ ويُقْبِلُ عَلَيَّ أوْ علَى رَجُلٍ مِنَ الأزْدِ فيَقُولُ فَعَلَ قَوْمُكَ يَوْمَ كَذَا وكَذَا وكَذَا وكَذَا. (الحَدِيث ٦٧٧٣ طرفه فِي: ٤٤٨٣) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي آخر أَيَّام الْجَاهِلِيَّة عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (أَرَأَيْتُم؟) أَي: أخبروني أَنكُمْ قبل الْقُرْآن كُنْتُم تسمون بالأنصار أم لَا؟ قَوْله: (بل سمانا الله) ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار} (التَّوْبَة: ٠١١) . قَوْله: