للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(كُنَّا ندخل على أنس) أَي: بِالْبَصْرَةِ. قَوْله: (فَيقبل عَليّ) أَي: مُخَاطبا لي، من الإقبال، و: عَليّ، بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (أَو على رجل) ، شكّ من الرَّاوِي، أَي: أَو يقبل أنس على رجل من الأزد، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد هُوَ غيلَان الْمَذْكُور لِأَنَّهُ من الأزد، وَيحْتَمل أَن يكون غَيره من الأزد. فَإِن قلت: فعلى التَّقْدِيرَيْنِ: قَالَ أنس: فعل قَوْمك، بِالْخِطَابِ إِلَى غيلَان أَو غَيره من الأزد بقوله: قَوْمك، وَلَيْسَ قومه من الْأَنْصَار؟ قلت: هَذَا بِاعْتِبَار النِّسْبَة الأعمية إِلَى الأزد، فَإِن الأزد يجمعهُمْ قَوْله: (فعل قَوْمك كَذَا) ، أَي: يَحْكِي مَا كَانَ من مآثرهم فِي الْمَغَازِي وَنصر الْإِسْلَام. قَوْله: (كَذَا وَكَذَا) وَاعْلَم أَن: كَذَا، ترد على ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن تكون كلمة وَاحِدَة مركبة من كَلِمَتَيْنِ مكنياً بهَا عَن غير عدد، وَهَذَا هُوَ المُرَاد بِهِ هُنَا، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث: يُقَال للْعَبد يَوْم الْقِيَامَة: أَتَذكر يَوْم كَذَا وَكَذَا فعلت كَذَا وَكَذَا؟ .

٧٧٧٣ - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو أُسَامَة عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ كانَ يَوْمَ بُعاثَ يَوْمَاً قَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَدِمَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد افْتَرَقَ مَلأهُمْ وقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وجُرِّحُوا فقَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دُخُولِهِمْ فِي الإسْلَامِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث مثل مَا فِي الحَدِيث السَّابِق، وَسَنَده بِعَيْنِه مضى فِي الْبَاب السَّابِق، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْهِجْرَة عَن عبيد الله بن سعيد.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بُعَاث) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة: وَهُوَ يَوْم من أَيَّام الْأَوْس والخزرج مَعْرُوف، وَقَالَ العسكري: روى بَعضهم عَن الْخَلِيل بن أَحْمد بالغين الْمُعْجَمَة، وَقَالَ أَبُو مَنْصُور الْأَزْهَرِي: صحفه ابْن المظفر، وَمَا كَانَ الْخَلِيل ليخفى عَلَيْهِ هَذَا الْيَوْم لِأَنَّهُ من مشاهير أَيَّام الْعَرَب، وَإِنَّمَا صحفه اللَّيْث وَعَزاهُ إِلَى الْخَلِيل نَفسه وَهُوَ لِسَانه، وَذكر النَّوَوِيّ أَن أَبَا عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى ذكره أَيْضا بغين مُعْجمَة، وَحكى الْقَزاز فِي (الْجَامِع) : أَنه يُقَال بِفَتْح أَوله أَيْضا، وَذكر عِيَاض: أَن الْأصيلِيّ رَوَاهُ بِالْوَجْهَيْنِ، يَعْنِي بِالْعينِ الْمُهْملَة والمعجمة، وَأَن الَّذِي وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر بالغين الْمُعْجَمَة وَجها وَاحِدًا، وَهُوَ مَكَان، وَيُقَال: إِنَّه حصن على ميلين من الْمَدِينَة، وَقَالَ ابْن قرقول: يجوز صرفه وَتَركه. قلت: إِذا كَانَ اسْم يَوْم يجوز صرفه، وَإِذا كَانَ اسْم بقْعَة يتْرك صرفه للتأنيث والعلمية. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ: بُعَاث، حصن لِلْأَوْسِ، وَقَالَ ابْن قرقول: وَهُوَ على لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة، وَكَانَت بِهِ وقْعَة عَظِيمَة بَين الْأَوْس والخزرج قتل فِيهَا كثير مِنْهُم، وَكَانَ رَئِيس الأول فِيهِ حضير وَالِد أسيد بن حضير، وَكَانَ يُقَال لَهُ: حضير الْكَتَائِب وَكَانَ فارسهم، وَيُقَال: إِنَّه ركز الرمْح فِي قدمه يَوْم بُعَاث، وَقَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي أفر؟ فَقتل يَوْمئِذٍ، وَكَانَ لَهُ حصن منيع يُقَال لَهُ: وأقم، وَكَانَ رَئِيس الْخَزْرَج يَوْمئِذٍ، وَكَانَ ذَلِك قبل الْهِجْرَة بِخمْس سِنِين، وَقيل: بِأَرْبَعِينَ سنة، وَقيل: بِأَكْثَرَ من ذَلِك. وَقَالَ فِي (الواعي) : بقيت الْحَرْب بَينهم قَائِمَة مائَة وَعشْرين سنة حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام. وَفِي (الْجَامِع) : كَأَنَّهُ سمى بعاثاً لنهوض الْقَبَائِل بَعْضهَا إِلَى بعض، وَقَالَ أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ: إِن سَبَب ذَلِك أَنه كَانَ من قاعدتهم أَن الْأَصِيل لَا يقتل بالحليف، فَقتل رجل من الْأَوْس حليفاً للخزرج، فأرادوا أَن يقيدوه فامتنعوا، فَوَقَعت بَينهم الْحَرْب لأجل ذَلِك. قَوْله: (يَوْمًا قدمه الله لرَسُوله) أَي: قدم ذَلِك الْيَوْم لأجل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ لَو كَانَ أَشْرَافهم أَحيَاء لاستكبروا عَن مُتَابعَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولمنع حب رياستهم عَن دُخُول رَئِيس عَلَيْهِم، فَكَانَ ذَلِك من جملَة مُقَدمَات الْخَيْر، وَذكر أَبُو أَحْمد العسكري فِي (كتاب الصَّحَابَة) : قَالَ بَعضهم: كَانَ يَوْم بُعَاث قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِخمْس سِنِين. قَوْله: (فَقدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: الْمَدِينَة. (وَقد افترق) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (ملأهم) أَي: جَمَاعَتهمْ. قَوْله: (سرواتهم) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَالرَّاء وَالْوَاو أَي: خيارهم وأشرافهم، والسروات جمع السراة وَهُوَ جمع السّري وَهُوَ السَّيِّد الشريف الْكَرِيم، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: السّري النفيس الشريف، وَقيل: السخي ذُو مُرُوءَة، وَالْجمع سراة بِالْفَتْح على غير قِيَاس، وَقد تضم السِّين، وَالِاسْم مِنْهُ السرو. انْتهى. قلت: السرو سخاء فِي مُرُوءَة، يُقَال: سرا

<<  <  ج: ص:  >  >>