أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب عِيَادَة الْمَرِيض، يُقَال: عدت الْمَرِيض أعوده عِيَادَة إِذا زرته، وَسَأَلت عَن حَاله. وأصل عِيَادَة عوادة قلبت الْوَاو يَاء لكسر مَا قبلهَا، وأصل الْعود الرُّجُوع، يُقَال: عَاد إِلَى فلَان يعود عوداً وعودة: إِذا رَجَعَ، وَهَذَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ وبحرف الْجَرّ بإلى وعَلى وَفِي وباللام، وَأطلق الْوُجُوب على عِيَادَة الْمَرِيض لظَاهِر الحَدِيث فَيحْتَمل أَن يكون من فروض الْكِفَايَة، وَيحْتَمل أَن يكون ندبا، ويتأكد فِي حق بعض النَّاس. وَقَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ فرض يحملهُ بعض النَّاس عَن بعض.
٥٦٤٩ - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا أبُو عَوانَةَ عنْ مَنْصُورٍ عنْ أبي وائِل عنْ أبي موساى قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أطْعِمُوا الْجائِعَ وَعُودُوا المَرِيض وفُكُّوا الْعانِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وعودوا الْمَرِيض) وَأَبُو عوَانَة الوضاح، وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث قد مر فِي أول كتاب الْأَطْعِمَة، وَفِي النِّكَاح أَيْضا.
قَوْله: (وفكوا العاني) أَي: الْأَسير وفكه تخليصه بِالْفِدَاءِ، وَاسْتدلَّ بِعُمُوم قَوْله: (وعودوا الْمَرِيض) على مشروعيته العيادة فِي كل مرض وَاسْتثنى بَعضهم الأرمد، وَيرد عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث زيد بن الأرقم، قَالَ: عادني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من زوج كَانَ بعيني. فَإِن قلت: روى الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا: ثَلَاثَة لَيْسَ لَهُم عِيَادَة: الْعين والدمل والضرس. قلت: صَحِيح الْبَيْهَقِيّ أَنه مَوْقُوف على يحيى بن أبي كثير، ويستدل بِعُمُوم الحَدِيث أَيْضا على عدم التَّقْيِيد بِزَمَان يمْضِي من ابْتِدَاء مَرضه، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَجزم الْغَزالِيّ فِي (الْإِحْيَاء) بِأَنَّهُ لَا يُعَاد إلَاّ بعد ثَلَاث، وَأسْندَ إِلَى حَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه عَن أنس: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا يعود مَرِيضا إلَاّ بعد ثَلَاث. قلت: هَذَا ضَعِيف جدا تفرد بِهِ مسلمة بن عَليّ وَهُوَ مَتْرُوك، وَقد سُئِلَ عَنهُ أَبُو حَاتِم فَقَالَ: هُوَ حَدِيث بَاطِل. فَإِن قلت: لحَدِيث أنس هَذَا شَاهد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) . قلت: فِيهِ راوٍ مَتْرُوك أَيْضا، ويستدل بِإِطْلَاق الحَدِيث أَيْضا على أَن العيادة لَا تقيد بِوَقْت دون وَقت، لَكِن جرت الْعَادة بهَا فِي طرفِي النَّهَار، وَترْجم البُخَارِيّ فِي (الْأَدَب الْمُفْرد) : العيادة فِي اللَّيْل.
٥٦٥٠ - حدّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبرنِي أشْعَثُ بنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعاويَةَ ابنَ سُوَيْدِ بنِ مُقَرِّنٍ عنِ البرَاءِ بنِ عازِب، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: أمَرَنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَبْعٍ ونَهانا عنْ سَبْعٍ، نَهانا عنْ خاتَمِ الذهَبِ ولُبْسِ الحرِيرِ والدِّيباجِ والإسْتَبْرَقِ وعنِ القَسِّيِّ والميثَرَةِ، وأمرَنا أنْ نَتْبَعَ الجَنائِزِ ونَعُودَ المَرِيضَ ونُفْشِيَ السَّلَامَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث قد مضى عَن قريب فِي كتاب الْأَشْرِبَة فِي: بَاب آنِية الْفضة، وَمر أَيْضا فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب الْأَمر بِاتِّبَاع الْجَنَائِز، وَاقْتصر هُنَا فِي النَّهْي على خَمْسَة، وَفِي الْأَمر على ثَلَاثَة، وَلم يذكر إبرار الْمقسم وَإجَابَة الدعْوَة وَنصر الْمَظْلُوم وتشميت الْعَاطِس.
٥ - (بابُ عيادَةِ المُغْمَى عَليهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عِيَادَة الْمغمى عَلَيْهِ، من: أُغمي، بِضَم الْهمزَة من الْإِغْمَاء وَهُوَ الغشي، وَهُوَ تعطل جلّ القوى المحركة والحساسة: كضعف الْقلب واجتماع الرّوح كُله إِلَيْهِ واستفراغه وتخلله، وَقيل: فَائِدَة هَذِه التَّرْجَمَة أَن لَا يعْتَقد أَن عِيَادَة الْمغمى عَلَيْهِ سَاقِطَة الْفَائِدَة لكَونه لَا يعلم بعائده.
٥٦٥١ - حدّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا سُفْيَانُ عنِ ابنِ المُنْكَدِرِ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله، رَضِي الله عنهُما، يَقُولُ: مرضِتُ مَرَضاً فَأَتَانِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعُودُنِي وأبُو بكْرٍ وهُما ماشِيانِ، فَوَجَدَاني أُغْمِيَ عَليَّ، فَتَوَضَّأَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَليَّ فَأفَقْتُ، فإذَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُول الله!