للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بنُ قُدَامَةَ قَالَ حدَّثنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ قَالَ حدَّثنا أنَسٌ قَالَ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَأقْبَلَ عَلَيْنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَجْهِهِ فَقَالَ أقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وتَرَاصُّوا فَإنِّي أرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَحْمد بن أبي رَجَاء، بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْجِيم، وبالمد وَاسم أبي رَجَاء: عبد الله بن أَيُّوب أَبُو الْوَلِيد الْحَنَفِيّ الْهَرَوِيّ، مَاتَ بهراة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وقبره مشْهد يزار. الثَّانِي: مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن الْمُهلب الْأَزْدِيّ الْبَغْدَادِيّ، وَأَصله كُوفِي. الثَّالِث: زَائِدَة بن قدامَة، بِضَم الْقَاف: مر فِي: بَاب غسل الْمَذْي. الرَّابِع: حميد الطَّوِيل، بِضَم الْحَاء. الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف أسناده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي جَمِيع الْإِسْنَاد، وَلم يَقع مثل هَذَا إِلَى هُنَا. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين هروي وبغدادي وكوفي وبصري. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده. وَفِيه: أَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو أَيْضا من شُيُوخ البُخَارِيّ، وَهُوَ من قدماء شُيُوخه، وروى لَهُ هَهُنَا بِوَاسِطَة أَحْمد بن أبي رَجَاء، وَالظَّاهِر أَنه لم يسمع هَذَا الحَدِيث مِنْهُ. وَفِيه: تَصْرِيح حميد بِالتَّحْدِيثِ عَن أنس، فأمن بذلك تدليسه.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أقِيمُوا صفوفكم) : الْخطاب للْجَمَاعَة الْحَاضِرين لأَدَاء الصَّلَاة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِقَامَة الصُّفُوف: تسويتها. قَوْله: (وتراصوا) ، بِضَم الصَّاد الْمُشَدّدَة وَأَصله: تراصصوا، أدغمت الصَّاد فِي الصَّاد لِأَنَّهُمَا مثلان، فَوَجَبَ الْإِدْغَام وَمَعْنَاهُ: تضاموا وتلاصقوا حَتَّى يتَّصل مَا بَيْنكُم وَلَا يَنْقَطِع، وَأَصله من الرص، يُقَال: رص الْبناء يرصه رصا إِذا لصق بعضه بِبَعْض، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص} (الصَّفّ: ٤) . وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) و (صَحِيح ابْن حبَان) : من حَدِيث أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (رصوا صفوفكم وقاربوا بَينهَا وحاذوا بالأعناق، فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ أَنِّي لأرى الشَّيْطَان يدْخل من خلل الصَّفّ، كَأَنَّهُ الْحَذف) . والحذف، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره فَاء: وَهِي غنم صغَار سود تكون بِالْيمن، وفسرها مُسلم: بِالنَّقْدِ، بِالتَّحْرِيكِ، وَهِي جنس من الْغنم قصار الأرجل قباح الْوُجُود. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَجود الصُّوف صوفها. وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: (قيل: يَا رَسُول الله، وَمَا أَوْلَاد الْحَذف؟ قَالَ: ضَأْن جرد سود تكون بِأَرْض الْيمن) . وَقَالَ الْخطابِيّ: وَيُقَال: أَكثر مَا تكون بِأَرْض الْحجاز. قَوْله: (من وَرَاء ظَهْري) أَي: من خلف ظَهْري، وَهَهُنَا ذكر كلمة: من، بِخِلَاف الحَدِيث السَّابِق، والنكتة فِيهِ أَنه إِذا وجد من يكون صَرِيحًا فَإِن مبدأ الرُّؤْيَة ومنشأها من خلف بِأَن يخلق الله حاسة باصرة فِيهِ، وَإِذا عدم يحْتَمل أَن يكون منشؤها هَذِه الحاسة الْمَعْهُودَة، وَأَن تكون غَيرهَا مخلوقة فِي الوراء، وَلَا يلْزم رؤيتنا تِلْكَ الحاسة، إِذا الرُّؤْيَة إِنَّمَا هِيَ بِخلق الله تَعَالَى وإرادته.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: جَوَاز الْكَلَام بَين الْإِقَامَة وَبَين الصَّلَاة، وَوُجُوب تَسْوِيَة الصُّفُوف. وَفِيه: معْجزَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

٧٣ - (بابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ثَوَاب الصَّفّ الأول، وَاخْتلف فِي الصَّفّ الأول فَقيل: المُرَاد بِهِ مَا يَلِي الإِمَام مُطلقًا. وَقيل: المُرَاد بِهِ من سبق إِلَى الصَّلَاة وَلَو صلى آخر الصُّفُوف، قَالَه ابْن عبد الْبر. وَقيل: المُرَاد بِهِ أول صف تَامّ مسدود لَا يتخلله شَيْء مثل مَقْصُورَة وَنَحْوهَا. وَقَالَ النَّوَوِيّ: القَوْل الأول هُوَ الصَّحِيح الْمُخْتَار، وَبِه صرح الْمُحَقِّقُونَ، وَالْقَوْلَان الْآخرَانِ غلط صَرِيح. قلت: القَوْل الثَّانِي لَا وَجه لَهُ، لِأَنَّهُ ورد فِي حَدِيث أبي سعيد أخرجه أَحْمد: (وَأَن خير الصُّفُوف صُفُوف الرِّجَال الْمُقدم وشرها الْمُؤخر) الحَدِيث، وَالْقَوْل الثَّالِث لَهُ وَجه، لِأَنَّهُ ورد فِي حَدِيث أنس أخرجه أَبُو دَاوُد وَغَيره: (رصوا صفوفكم) ، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَإِذا تخَلّل بَين الصَّفّ شَيْء ينْتَقض الرص، وَفِيه أَيْضا: (أَنِّي لأرى الشَّيْطَان يدْخل من خلل الصَّفّ) . وَأما كَون القَوْل الأول هُوَ الصَّحِيح فوجهه أَن الأول إسم لشَيْء لم يسْبقهُ شَيْء وَلَا يُطلق على هَذَا إلَاّ على الصَّفّ الأول الَّذِي يَلِي الإِمَام مُطلقًا. فَإِن قلت: ورد فِي حَدِيث الْبَراء بن عَازِب أخرجه أَحْمد: (إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الصَّفّ الأول أَو الصُّفُوف الأول) . قلت: لفظ الأول من الْأُمُور النسبية، فَإِن الثَّانِي أول بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّالِث، وَالثَّالِث أول بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّابِع، وهلم جرا ... وَلَكِن الأول الْمُطلق هُوَ الَّذِي لم يسْبقهُ شَيْء، ثمَّ الْحِكْمَة فِي التحريض والحث على الصَّفّ الأول الْمُطلق على وُجُوه:

<<  <  ج: ص:  >  >>