وَقَالَ مُجَاهِدٌ تَقْرِضُهُمْ تَتْرُكُهُمْ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: (تقرضهم) ، فِي قَوْله تَعَالَى: {وَترى الشَّمْس إِذا طلعت تزاور عَن كهفهم ذَات الْيَمين وَإِذا غربت تقرضهم ذَات الشمَال ... } (الْكَهْف: ٧١) . الْآيَة، وَفسّر: تقرضهم، بقوله: تتركهم، وأصل الْقَرْض الْقطع والتفرقة من قَوْلك قرضته بالمقراض أَي: قطعته، وَالْمعْنَى هُنَا: تعدل عَنْهُم وتتركهم، قَالَه الْأَخْفَش والزجاج، وَقيل: تصيبهم يَسِيرا، مَأْخُوذ من قراضة الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْهَا بالمقراض أَي: تعطيهم الشَّمْس الْيَسِير من شعاعها، وَقيل: مَعْنَاهُ تحاذيهم، وَهُوَ قَول الْكسَائي وَالْفراء.
٣٥ - (بَاب حَدِيثُ الغَارِ)
أَي: هَذَا بَيَان حَدِيث الْغَار الَّذِي آوى إِلَيْهِ ثَلَاثَة نفر مِمَّن كَانُوا قبلنَا، قيل: وَجه الْمُنَاسبَة فِي ذكر حَدِيث الْغَار عقيب حَدِيث أبرص وأقرع وأعمى هُوَ أَنه ورد أَن الرقيم الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى: {أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم} (الْكَهْف: ٩) . هُوَ الْغَار الَّذِي آوى إِلَيْهِ الثَّلَاثَة المذكورون، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن عَن النُّعْمَان بن بشير أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكر الرقيم، قَالَ: إنطلق ثَلَاثَة فَكَانُوا فِي كَهْف فَوَقع الْحَبل على بَاب الْكَهْف فأوصد عَلَيْهِم ... الحَدِيث. قلت: يحْتَمل أَنه ذكر هَذَا عقيب ذَاك لِأَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة كَانُوا فِي زمن بني إِسْرَائِيل، يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن عقبَة بن عَامر: أَن ثَلَاثَة نفر من بني إِسْرَائِيل، الحَدِيث، ذكره فِي الدُّعَاء.
٥٦٤٣ - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ خَلِيلٍ أخْبرَنَا عليُّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنَمَا ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إذْ أصَابَهُمْ مَطَرٌ فأوَوْا إلَى غَارٍ فانْطَبَقَ علَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إنَّهُ وَالله يَا هاؤُلاءِ لَا يُنْجِيكُمْ إلَاّ الصِّدْقُ فَلْيَدْعُ كلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ فَقَالَ واحِدٌ مِنْهُمْ أللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ كانَ لِي أجِيرٌ عمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أرُزٍّ فذَهَبَ وتَرَكَهُ وأنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الفَرَقِ فزَرَعْتُهُ فَصارَ مِنْ أمْرِهِ أنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرَاً وأنَّهُ أتَانِي يَطْلُبُ أجْرَهُ فقُلْتُ لَهُ اعْمِدْ إلَى تِلْكَ البَقَرِ فسُقْهَا فَقالَ لِي إنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ فَقُلْتُ لَهُ اعْمِدْ إلَى تِلْكَ البَقَرِ فإنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الفَرَقِ فَساقَها فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجُ عَنَّا فانْسَاخَتْ عنهُمُ الصَّخْرَةُ فقالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ كانَ لِي أبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ فَكُنْتُ آتِيهِما كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي فأبْطَأتُ عَلَيْهِمَا فَجِئْتُ وقَدْ رَقَدَا وأهْلِي وعِيَالِي يتَضَاغَوْنَ مِنَ الجُوعِ فَكُنْتُ لَا أسْقِيهِمْ حتَّى يَشْرَبَ أبَوَايَ فكَرِهْتُ أنْ أوقِظَهُمَا وكَرِهْتُ أنْ أدَعَهُمَا فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا فلَمْ أزَلْ أنْتَظِرُ حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فانْسَاخَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ حتَّى نَظَرُوا إلَى السَّماءِ فَقَالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ كانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ وإنِّي رَاوَدْتُهَا عنْ نَفْسِها فأبَتْ إلَاّ أنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينارٍ فطَلَبْتُهَا حتَّى قَدَرْتُ فأتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُها إلَيْهَا فأمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا فلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا فقالَتِ اتَّقِ الله ولَا تَفُضَّ الخَاتَمَ إلَاّ بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وتَرَكْتُ المِائَةَ دِينارٍ فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute