للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(بَاب الْكفَالَة فِي الْقَرْض والديون بالأبدان وَغَيرهَا)

أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْكفَالَة فِي الْقَرْض والديون أَي دُيُون الْمُعَامَلَات وَهُوَ من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص قَوْله " بالأبدان " يتَعَلَّق بِالْكَفَالَةِ قَوْله " وَغَيرهمَا " أَي وَغير الْأَبدَان وَهِي الْكفَالَة بالأموال وَفِي بعض النّسخ بَاب الْكفَالَة فِي القروض والديون وَوجه إِدْخَال هَذَا الْبَاب فِي كتاب الْحِوَالَة من حَيْثُ أَن الْحِوَالَة وَالْكَفَالَة الَّتِي هِيَ الضَّمَان متقاربان لِأَن كلا مِنْهُمَا نقل دين من ذمَّة إِلَى ذمَّة وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب وَقَالَ الْمُهلب الْكفَالَة بالقرض الَّذِي هُوَ السّلف بالأموال كلهَا جَائِزَة وَحَدِيث الْخَشَبَة الملقاة فِي الْبَحْر أصل فِي الْكفَالَة بالديون من قرض كَانَت أَو بيع (وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد عَن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه أَن عمر رَضِي الله عَنهُ بَعثه مُصدقا فَوَقع رجلا على جَارِيَة امْرَأَته فَأخذ حَمْزَة من الرجل كَفِيلا حَتَّى قدم على عمر وَكَانَ عمر قد جلده مائَة جلدَة فَصَدَّقَهُمْ وعذره بالجهالة)

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأَخذه حَمْزَة من الرجل كَفِيلا) ، وَأَبُو الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف النُّون: عبد الله بن ذكْوَان وَقد تكَرر ذكره، وَمُحَمّد بن حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ حجازي ذكره ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) ، وروى لَهُ النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة، وَأَبُو دَاوُد والطحاويي وَأَبُو حَمْزَة بن عَمْرو بن عُوَيْمِر بن الْحَارِث الْأَعْرَج الْأَسْلَمِيّ، يكنى أَبَا صَالح، وَقيل: أَبَا مُحَمَّد مَاتَ سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَله صُحْبَة وَرِوَايَة.

وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الطَّحَاوِيّ، فَقَالَ: حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم، قَالَ: أخبرنَا ابْن أبي الزِّنَاد، قَالَ: حَدثنِي أبي عَن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه: أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بَعثه مُصدقا على سعد ابْن هذيم، فَأتى حَمْزَة بِمَال ليصدقه، فَإِذا رجل يَقُول لامْرَأَته: أُدي صَدَقَة مَال مَوْلَاك، وَإِذا الْمَرْأَة تَقول لَهُ: بل أَنْت فأدِّ صَدَقَة مَال أَبِيك، فَسَأَلَهُ حَمْزَة عَن أمرهَا وقولهما: فَأخْبر أَن ذَلِك الرجل زوج تِلْكَ الْمَرْأَة، وَأَنه وَقع على جَارِيَة لَهَا، فَولدت ولدا فأعتقته امْرَأَته، قَالُوا: فَهَذَا المَال لِابْنِهِ من جاريتها، فَقَالَ لَهُ حَمْزَة لأرجمنك بِالْحِجَارَةِ، فَقيل لَهُ: أصلحك الله، إِن أمره قد رفع إِلَى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فجلده عمر مائَة وَلم ير عَلَيْهِ الرَّجْم، فَأخذ حَمْزَة بِالرجلِ كَفِيلا حَتَّى يقدم على عمر فيسأله عَمَّا ذكر من جلد عمر إِيَّاه وَلم ير عَلَيْهِ رجما، فَصَدَّقَهُمْ عمر بذلك، من قَوْلهم، وَقَالَ: إِنَّمَا دَرأ عَنهُ الرَّجْم عذره بالجهالة. انْتهى.

قَوْله: (مُصدقا) بتَشْديد الدَّال الْمَكْسُورَة على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من التَّصْدِيق، أَي: أَخذ الصَّدَقَة عَاملا عَلَيْهَا، فَصَدَّقَهُمْ، بِالتَّخْفِيفِ أَي: صدق الرجل للْقَوْم واعترف بِمَا وَقع مِنْهُ، لكنه اعتذر بِأَنَّهُ لم يكن عَالما بِحرْمَة وطىء جَارِيَة امْرَأَته أَو بِأَنَّهَا جاريتها، لِأَنَّهَا التبست واشتبهت بِجَارِيَة نَفسه أَو بِزَوْجَتِهِ، أَو صدق عمر الكفلاء فِيمَا كَانُوا يَدعُونَهُ أَنه قد جلده مرّة لذَلِك، وَيحْتَمل أَن يكون الصدْق بِمَعْنى الْإِكْرَام كَقَوْلِه تَعَالَى: {فِي مقْعد صدق} (الْقَمَر: ٥٥) . أَي: كريم، فَمَعْنَاه: فَأكْرم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الكفلاء وَعذر الرجل بِجَهَالَة الْحُرْمَة أَو الِاشْتِبَاه. قَوْله: (فَأخذ حَمْزَة من الرجل كَفِيلا) ، لَيْسَ المُرَاد من الْكفَالَة هَهُنَا الْكفَالَة الْفِقْهِيَّة، بل المُرَاد التعهد والضبط عَن حَال الرجل. وَقَالَ ابْن بطال: كَانَ ذَلِك على سَبِيل التَّرْهِيب على الْمَكْفُول بِبدنِهِ والاستيثاق، لَا أَن ذَلِك لَازم للْكَفِيل إِذا زَالَ الْمَكْفُول بِهِ، واستفيد من هَذِه الْقِصَّة مَشْرُوعِيَّة الْكفَالَة بالأبدان، فَإِن حَمْزَة بن عَمْرو صَحَابِيّ، وَقد فعله وَلم يُنكر عَلَيْهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَعَ كَثْرَة الصَّحَابَة حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا جلد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، للرجل مائَة تعزيرا وَكَانَ ذَلِك بِحَضْرَة أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ ابْن التِّين: فِيهِ شَاهد لمَذْهَب مَالك فِي مُجَاوزَة الإِمَام فِي التَّعْزِير قدر الْحَد، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ فعل صَحَابِيّ عَارضه مَرْفُوع صَحِيح فَلَا حجَّة فِيهِ.

قلت: هَذَا الْبَاب فِيهِ خلاف بَين الْعلمَاء، فمذهب مَالك وَأبي ثَوْر وَأبي يُوسُف فِي قَول الطَّحَاوِيّ: إِن التَّعْزِير لَيْسَ لَهُ مِقْدَار مَحْدُود، وَيجوز للْإِمَام أَن يبلغ بِهِ مَا رَآهُ وَأَن يتَجَاوَز بِهِ الْحُدُود. وَقَالَت طَائِفَة: التَّعْزِير مائَة جلدَة فَأَقل. وَقَالَت طَائِفَة: أَكثر التَّعْزِير مائَة جلدَة إلَاّ جلدَة. وَقَالَت طَائِفَة: أَكْثَره تِسْعَة وَتسْعُونَ سَوْطًا فَأَقل، وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى، وَأبي يُوسُف فِي رِوَايَة. وَقَالَت طَائِفَة: أَكْثَره ثَلَاثُونَ سَوْطًا. وَقَالَت طَائِفَة: أَكْثَره

<<  <  ج: ص:  >  >>