وَفتح الْجِيم ابْن عبد الله الْجُهَنِيّ، وَهُوَ تَابِعِيّ مَعْرُوف مَا لَهُ فِي البُخَارِيّ إلَاّ هَذَا الحَدِيث.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَضَاحِي عَن ابْن أبي شيبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَغَيره.
قَوْله: (لعقبة) ، أَي: ابْن عَامر. قَوْله: (صَارَت جَذَعَة) أَي: حصلت لي جَذَعَة. وَلَفظه أَعم من أَن يكون من الْمعز لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره: كَانَت هَذِه رخصَة لعقبة كَمَا كَانَ مثلهَا رخصَة لأبي بردة فِي حَدِيث الْبَراء، وَيُقَال: الْجَذعَة وصف لسن معِين من بَهِيمَة الْأَنْعَام، فَمن الضَّأْن مَا أكمل السّنة، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَقيل: دونهَا، ثمَّ اخْتلف فِي تَقْدِيره، فَقيل: ابْن سِتَّة أشهر، وَقيل: ثَمَانِيَة، وَقيل: عشرَة، وَحكى التِّرْمِذِيّ عَن وَكِيع أَنه ابْن سِتَّة أشهر أَو سَبْعَة أشهر، وَأما الْجذع من الْمعز فَهُوَ مَا دخل فِي السّنة الثَّانِيَة، وَمن الْبَقر مَا أكمل الثَّالِثَة، وَمن الْإِبِل مَا دخل فِي الْخَامِسَة. قَوْله: (ضح) ، أَمر من ضحى يُضحي. قَوْله: (بهَا) ، أَي: بالجذعة الْمَذْكُورَة.
٣ - (بَابُ: {الأضْحِيَّةِ لِلْمُسَافِرِ وَالنِّسَاءِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْأُضْحِية للْمُسَافِر وَالنِّسَاء، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ إِشَارَة إِلَى خلاف من قَالَ: لَا أضْحِية عَلَيْهِنَّ، وَيحْتَمل أَن يكون أَشَارَ إِلَى خلاف منع تضحيتهن. قلت: لَا إِشَارَة فِيهِ أصلا لما قَالَه. وَإِنَّمَا وضع هَذِه التَّرْجَمَة لبَيَان أَن الْمُسَافِر وَالنِّسَاء هَل عَلَيْهِمَا أضْحِية أم لَا؟ غير أَنه أبهم ذَلِك اكْتِفَاء بِمَا يفهم من حَدِيث الْبَاب: على مَا لَا يخفى على من لَهُ ذوق فِي إِدْرَاك مَعَاني الْأَحَادِيث. وَقَوله: (وَيحْتَمل) إِلَى آخِره أبعد من الأول لِأَن التَّرْجَمَة لَيْسَ فِيهَا مَا يدل على ذَلِك وَلَا فِي حَدِيث الْبَاب.
٥٥٤٨ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القَاسِمِ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْها. أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دَخَلَ عَلَيْها وَحَاضَتْ بَسَرِفَ قَبْلَ أنْ تَدْخُلَ مَكَةَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: مَالَكِ؟ أنَفِسْتِ! قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: هاذا أمْرٌ كَتَبَهُ الله عَلَى بَنَاتِ آدَمِ فَاقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ غَيْرَ أنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ فَلَمَّا كُنَّا بِمنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ: مَا هاذا؟ قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنْ أزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. لِأَن فِيهِ أضْحِية الْمُسَافِر، وَهُوَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ مُسَافِرًا وَفِيه تعرض للأضحية للنِّسَاء، وَهُوَ ظَاهر.
فَالْكَلَام هُنَا فِي فصلين.
الأول: هَل يجب على الْمُسَافِر أضْحِية؟ اخْتلفُوا فِيهِ. فَقَالَ الشَّافِعِي: هِيَ سنة على جَمِيع النَّاس وعَلى الْحَاج بمنى وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر. وَقَالَ مَالك: لَا أضْحِية عَلَيْهِ وَلَا يُؤمر بِتَرْكِهَا إلَاّ الْحَاج بمنى وَذكر ابْن الْمَوَّاز عَن مَالك أَن من لم يحجّ من أهل مَكَّة وَمنى فليضحِّ وَحكى ابْن بطال: أَن مَذْهَب ابْن عمر أَن الْأُضْحِية تلْزم الْمُسَافِر. قلت: قد مر أَن ابْن عمر قَالَ: هِيَ سنة ومعروف، نعم هُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب على الْمُسَافِر أضْحِية، وَعَن النَّخعِيّ: رخص للْحَاج وَالْمُسَافر أَن لَا يُضحي.
الْفَصْل الثَّانِي: أَن من أوجب الْأُضْحِية أوجبهَا على النِّسَاء وَمن لم يُوجِبهَا لم يُوجِبهَا عَلَيْهِنَّ، واستحبها فِي حقهن.
وسُفْيَان فِي السَّنَد هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبد الرَّحْمَن يروي عَن أَبِيه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق. رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
والْحَدِيث مضى فِي أول كتاب الْغسْل فِي كتاب الطَّهَارَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (بسرف) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وَفتح الْفَاء وَهُوَ مَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة بِقرب مَكَّة على أَمْيَال قَالَ النَّوَوِيّ: قبل سِتَّة، وَقيل: سَبْعَة، وَقيل: تِسْعَة، وَقيل: عشرَة، وَقيل: اثْنَي عشر ميلًا. قَوْله: (أنفست) ، مَعْنَاهُ أحضت؟ وَهُوَ بِفَتْح النُّون وَضمّهَا لُغَتَانِ مشهورتان، وَالْفَتْح أفْصح وَالْفَاء مَكْسُورَة فيهمَا. وَأما النّفاس الَّذِي هُوَ الْولادَة فَيُقَال فِيهِ: نفست، بِالضَّمِّ لَا غير. قَوْله: (هَذَا أَمر كتبه الله تَعَالَى على بَنَات آدم) هَذَا تَسْلِيَة لَهَا وَتَخْفِيف لَهَا وَمَعْنَاهُ: أَنَّك لست بمختصة بِهِ بل كل بَنَات آدم يكون هَذَا مِنْهُنَّ كَمَا يكون من الرجل ومنهن الْبَوْل وَالْغَائِط وَغَيرهمَا وَقَالَ النَّوَوِيّ: اسْتدلَّ البُخَارِيّ بِعُمُوم هَذَا الحَدِيث على أَن الْحيض كَانَ فِي جَمِيع بَنَات آدم. وَأنكر بِهِ على من قَالَ: إِن الْحيض أول مَا وَقع فِي بني إِسْرَائِيل. قَوْله: (فاقضي) أَي: افعلي كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: فاصنعي.
وَفِيه: دَلِيل على أَن الطّواف