للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقَوله: (لَيْلَة الحصبة) ، بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: لَيْلَة الْحَصْبَاء. قَوْله: (لَيْلَة النَّفر) ، عطف بَيَان لليلة الحصبة، والنفر، بِفَتْح النُّون وَإِسْكَان الْفَاء وَبِفَتْحِهَا أَيْضا. قَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال: يَوْم النَّفر وَلَيْلَة النَّفر لليوم النذي ينفر النَّاس فِيهِ من منى، وَهُوَ بعد يَوْم النَّفر، وَقيل: ليَالِي الْمبيت بمنى الَّتِي تتقدم النَّفر من منى قبلهَا، فَهِيَ شَبيهَة بليلة عَرَفَة. وَقيل: فِيهِ رد على من قَالَ: كل لَيْلَة تسبق يَوْمهَا إلَاّ لَيْلَة عَرَفَة، فَإِن يَوْمهَا يسبقها، فقد شاركتها لَيْلَة النَّفر فِي ذَلِك. قَوْله: (مَا كنت تطوفي بِالْبَيْتِ) ، أصل: تطوفي: تطوفين. فحذفت مِنْهُ النُّون تَخْفِيفًا. وَقيل: حذفهَا من غير ناصب أَو جازم لُغَة فصيحة. قَوْله: (قلت: لَا) ، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي: (قلت: بلَى) . وَهِي مَحْمُولَة على أَن المُرَاد: مَا كنت أَطُوف. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا تَوْجِيه بلَى، إِذْ تكون حِينَئِذٍ متمتعة. فَلم أمرهَا بِالْعُمْرَةِ؟ فَأجَاب: بِأَن: بلَى، تسْتَعْمل بِحَسب الْعرف اسْتِعْمَال نعم، مقررا لما سبق، فَمَعْنَاه كمعنى كلمة النَّفْي. قَوْله: (وحاضت صَفِيَّة) أَي: فِي أَيَّام منى، وَسَيَأْتِي فِي: بَاب الإدلاج من المحصب، أَن حَيْضهَا كَانَ لَيْلَة النَّفر، وَعند مُسلم، زَاد الحكم عَن إِبْرَاهِيم: (لما أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينفر إِذا صَفِيَّة على بَاب خبائها كئيبة حزينة، فَقَالَ: عقري) الحَدِيث.

قَوْله: (عقرى حلقى) على وزن: فعلى: بِغَيْر تَنْوِين، هَكَذَا فِي الرِّوَايَة، وَيجوز فِي اللُّغَة التَّنْوِين، وَصَوَّبَهُ أَبُو عبيد لِأَن مَعْنَاهُ الدُّعَاء: بالعقر وَالْحلق، كَمَا يُقَال: سقيا ورعيا، وَنَحْو ذَلِك من المصادر الَّتِي يدعى بهَا. وَقد مر تَفْسِيره على أَقْوَال مُتعَدِّدَة فِي: بَاب التَّمَتُّع والإقران. قَوْله: (فَلَا بَأْس انفري) هَذَا تَفْسِير لقَوْله فِي الرِّوَايَة الَّتِي مَضَت فِي أول الْبَاب، فَلَا إِذا، وَفِي رِوَايَة أبي سَلمَة قَالَ: أخرجُوا. وَفِي رِوَايَة عمْرَة قَالَ: اخْرُجِي، وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة فِي الْمَغَازِي، فلتنفر، ومعانيها مُتَقَارِبَة، وَالْمرَاد بهَا كلهَا الرحيل من منى إِلَى جِهَة الْمَدِينَة. قَوْله: (مصعدا) بِمَعْنى، صاعدا إِذا صعد لُغَة فِي صعد. قَوْله: (وَقَالَ مُسَدّد) إِلَى آخِره، تَعْلِيق لم يَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَثَبت لغيره. قَوْله: (وَتَابعه جرير) ، أَي: تَابع مُسَددًا جرير بن عبد الحميد عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر فِي قَوْله: (لَا) ، أما رِوَايَة مُسَدّد فَفِي مُسْنده بِرِوَايَة أبي خَليفَة عَنهُ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عوَانَة فَذكر الحَدِيث بِسَنَدِهِ وَمَتنه، وَقَالَ فِيهِ: (مَا كنت طفت ليَالِي قدمنَا) ، وَأما رِوَايَة جرير عَن مَنْصُور فوصلها البُخَارِيّ فِي: بَاب التَّمَتُّع والإقران عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَنهُ، وَقَالَ فِيهِ: (وَمَا كنت طفت ليَالِي قدمنَا مَكَّة؟ قلت: لَا) . وَالْغَرَض من السُّؤَال أَنَّك مَا كنتِ متمتعة، فَلَمَّا قَالَت: لَا، كَمَا رَوَاهُ مُسَدّد، أمرهَا بِالْعُمْرَةِ. فَإِن قلت: لَا يلْزم من نفي التَّمَتُّع الِاحْتِيَاج إِلَى الْعمرَة لاحْتِمَال أَن تكون قارنة. قلت: الْأَكْثَر على أَنَّهَا كَانَت قارنة، وَرِوَايَة مُسلم صَرِيحَة بقرانها، وأمرها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعُمْرَةِ نَافِلَة تطييبا لقلبها حَيْثُ أَرَادَت أَن تكون لَهَا عمْرَة مُنْفَرِدَة مُسْتَقلَّة، وَأما إِن كَانَت مُفْردَة فَالْأَمْر بِالْعُمْرَةِ إِنَّمَا هُوَ على سَبِيل الْإِيجَاب.

وَمن فَوَائِد هَذَا الحَدِيث: أَن طواف الْإِفَاضَة ركن، وَأَن طواف الْوَدَاع وَاجِب. وَقَالَ بَعضهم، وَأَن الطَّهَارَة شَرط لصِحَّة الطّواف. قلت: لَا نسلم ذَلِك، فَإِن هَذَا الحَدِيث لَا يدل على ذَلِك. وَمِنْهَا: أَنه يلْزم أَمِير الْحَاج أَن يُؤَخر الرحيل لأجل من تحيض مِمَّن لم تطف للإفاضة، ورد هَذَا بِاحْتِمَال أَن إِرَادَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَأْخِير الرحيل إِكْرَاما لصفية، كَمَا احْتبسَ بِالنَّاسِ على عقد عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قلت: روى الْبَزَّار من حَدِيث جَابر، وَأخرجه الثَّقَفِيّ فِي فَوَائده من طَرِيق أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (أميران وليسا بأميرين: من تبع جَنَازَة فَلَيْسَ لَهُ أَن ينْصَرف حَتَّى تدفن أَو يَأْذَن أَهلهَا، وَالْمَرْأَة تحج أَو تعتمر مَعَ قوم فتحيض قبل طواف الرُّكْن، فَلَيْسَ لَهُم أَن ينصرفوا حَتَّى تطهر أَو تَأذن لَهُم) . قلت: إِسْنَاد كل مِنْهُمَا إِسْنَاد ضَعِيف جدا، وَلَئِن سلمنَا صحتهما فَلَا دلَالَة لَهما على الْوُجُوب، وَقد ذكر مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) أَنه يلْزم الْجمال أَن يحبس لَهَا إِلَى انْقِضَاء أَكثر مُدَّة الْحيض، وَكَذَا على النُّفَسَاء، وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الْمَوَّاز بِأَن فِيهِ تعريضا للْفَسَاد: كَقطع الطَّرِيق، وأجابه القَاضِي عِيَاض بِأَن مَحل ذَلِك أَمن الطَّرِيق، كَمَا أَن مَحَله أَن يكون مَعَ الْمَرْأَة محرم، وَالله أعلم.

٦٤١ - (بابُ منْ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بالأبْطَحِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من صلى صَلَاة الْعَصْر يَوْم النَّفر، وَهُوَ يَوْم الرُّجُوع من منى. قَوْله: (بِالْأَبْطح) وَهُوَ الْبَطْحَاء الَّتِي بَين مَكَّة وَمنى، وَهِي مَا انبطح من الْوَادي واتسع، وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا: المحصب والمعرس، وَحدهَا مَا بَين الجبلين إِلَى الْمقْبرَة.

٣٦٧١ - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثنا بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>