للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

سَمِعت عمر وَهُوَ يَقُول: أللهم قتلا فِي سَبِيلك، ووفاة فِي بلد نبيك، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: قلت: وأنَّى يكون هَذَا؟ قَالَ يَأْتِي بِهِ عزوجل إِذا شَاءَ.

وَقَالَ هِشَامق عنْ زَيْدٍ عنْ أبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ

هِشَام هُوَ ابْن سعد الْقرشِي الْمَدِينِيّ مولى لآل أبي لَهب بن عبد الْمطلب، يَتِيم زيد بن أسلم، يكنى أَبَا سعيد، وَيُقَال أَبُو عبَادَة. وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي فديك عَنهُ، وَلَفظه: عَن حَفْصَة أَنَّهَا سَمِعت أَبَاهَا يَقُول ... فَذكر مثله، وَالله أعلم بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب.

بِسم الله الرحمان الرَّحِيم

٠٣ - (كتاب الصَّوْم)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الصّيام هَذَا، هَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: كتاب الصَّوْم، وَثبتت الْبَسْمَلَة للْجَمِيع، ثمَّ الْكَلَام هَهُنَا من وُجُوه:

الأول: مَا وَجه تَأْخِير كتاب الصَّوْم، وَذكره آخر كتب الْعِبَادَات؟ وَهُوَ أَن الْعِبَادَات الَّتِي هِيَ أَرْكَان الْإِيمَان أَرْبَعَة: الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالْحج وَالصَّوْم، قدمت الصَّلَاة لكَونهَا تالية الْإِيمَان وثانيته فِي الْكتاب وَالسّنة، أما الْكتاب فَقَوْل الله تَعَالَى: {الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ ويقيمون الصَّلَاة} (الْبَقَرَة: ٣) . وَأما السّنة فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (بني الْإِسْلَام على خمس) الحَدِيث، ثمَّ ذكرت الزَّكَاة عقيبها لِأَنَّهَا ثَانِيَة الصَّلَاة وثالثة الْإِيمَان فِي الْكتاب وَالسّنة كَمَا ذَكرْنَاهُ، ثمَّ ذكر الْحَج لِأَن الْعِبَادَات الْأَرْبَعَة بدنية مَحْض، وَهِي: الصَّلَاة الصَّوْم، ومالية مَحْض وَهِي: ومركبة مِنْهُمَا وَهُوَ: الْحَج، وَكَانَ مُقْتَضى الْحَال أَن يذكر الصَّوْم عقيب الصَّلَاة لِكَوْنِهِمَا من وادٍ واحدٍ، لَكِن ذكرت الزَّكَاة عقيبها لما ذكرنَا، ثمَّ أَن غَالب المصنفين ذكرُوا الصَّوْم عقيب الزَّكَاة فَلَا مُنَاسبَة بَينهمَا، وَالَّذِي ذكره البُخَارِيّ من تَأْخِير الصَّوْم وَذكره فِي الْأَخير هُوَ الْأَوْجه والأنسب، لِأَن ذكر الْحَج عقيب الزَّكَاة هُوَ الْمُنَاسب من حَيْثُ اشْتِمَال كل مِنْهُمَا على بذل المَال، وَلم يبْق للصَّوْم مَوضِع إلَاّ فِي الْأَخير.

الْوَجْه الثَّانِي: فِي تَفْسِير الصَّوْم لُغَة وَشرعا، وَهُوَ فِي اللُّغَة: الْإِمْسَاك، قَالَ الله تَعَالَى حِكَايَة عَن مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام: {إِنِّي نذرت للحرمن صوما} (مَرْيَم: ٦٢) . أَي: صمتا وسكوتا، وَكَانَ مَشْرُوعا عِنْدهم، ألَا تَرى إِلَى قَوْلهَا: {فَلَنْ أكلم الْيَوْم أنسيا} (مَرْيَم: ٦٢) . وَقَالَ النَّابِغَة الذبياني:

(خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ ... تَحت العجاج، وَأُخْرَى تعلك اللجما)

أَي: قَائِمَة على غير علف، قَالَه الْجَوْهَرِي: وَقَالَ ابْن فَارس: ممسة عَن السّير، وَفِي (الْمُحِيط) وَغَيره: ممسكة عَن الاعتلاف. وَصَامَ النَّهَار إِذا قَامَ قيام الظهيرة. وَقَالَ: صَامَ النَّهَار وهجرا يَعْنِي: قَامَ قَائِم الظهيرة، وَقَالَ أَبُو عبيد: كل مُمْسك عَن طَعَام أَو كَلَام أَو سير: صَائِم، وَالصَّوْم ركود الرّيح، وَالصَّوْم الْبيعَة، وَالصَّوْم ذرق الْحمام وسلخ النعامة، وَالصَّوْم: اسْم شجر. وَفِي (الْمُحِيط) : صَامَ صوما وصياما واصطام، وَرجل صَائِم وَصَوْم، وَقوم صوام وَصِيَام وَصَوْم وصيم وصيم، عَن سِيبَوَيْهٍ كسروا الصَّاد لمَكَان الْيَاء، وَصِيَام وصيامى الْأَخِيرَة نادرة، وَصَوْم وَهُوَ اسْم للْجمع، وَقيل: هُوَ جمع صَائِم، وَنسَاء صَوْم. وَفِي (الصِّحَاح) وَرجل صومان.

وَأما فِي الشَّرْع: فالصوم هُوَ الْإِمْسَاك عَن الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع وَمَا هُوَ مُلْحق بِهِ من طُلُوع الْفجْر الثَّانِي إِلَيّ غرُوب الشَّمْس، وَقَالَ ابْن سَيّده: الصَّوْم ترك الطَّعَام وَالشرَاب وَالنِّكَاح وَالْكَلَام، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَقع الصَّوْم فِي عرف الشَّرْع على إمْسَاك مَخْصُوص فِي زمن مَخْصُوص مَعَ النِّيَّة، وَقَالَ ابْن قدامَة: هُوَ الْإِمْسَاك عَن المفطرات من طُلُوع الْفجْر الثَّانِي إِلَى غرُوب الشَّمْس، وَرُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه لما صلى الْفجْر، قَالَ: الْآن حِين تبين الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود، وَعَن ابْن مَسْعُود نَحوه، وَقَالَ مَسْرُوق: لم يَكُونُوا يعدون الْفجْر محرما إِنَّمَا كَانُوا يعدون الْفجْر الَّذِي يمْلَأ الْبيُوت والطرق، وَهَذَا قَول الْأَعْمَش، وَقَالَ ابْن عَسَاكِر: فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل دَلِيل على أَن الْخَيط الْأَبْيَض هُوَ الصَّباح، وَأَن السّحُور لَا يكون إلَاّ قبل الْفجْر، وَهَذَا إِجْمَاع لم يُخَالف فِيهِ إلَاّ الْأَعْمَش، وَلم يعرج أحد على قَوْله لشذوذه. قلت: قد نقل قَول جمَاعَة من السّلف بموافقة الْأَعْمَش، وَعَن ذَر، قُلْنَا لِحُذَيْفَة: أَيَّة سَاعَة تسحرت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>