ذكر اخْتِلَاف مُدَّة السّفر الممنوعة: فَفِي، رِوَايَة أبي سعيد فِي حَدِيث الْبَاب:(مسيرَة يَوْمَيْنِ) ، وروى عَنهُ:(لَا تُسَافِر ثَلَاثًا) وروى عَنهُ أَيْضا: (لَا تُسَافِر فَوق ثَلَاث) ، وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة:(لَا تُسَافِر ثَلَاثًا) ، وَرُوِيَ عَنهُ:(لَا تُسَافِر يَوْمًا وَلَيْلَة) ، وَرُوِيَ عَنهُ:(لَا تُسَافِر يَوْمًا) ، وَرُوِيَ:(لَا تُسَافِر بريدا) ، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر:(لَا تُسَافِر ثَلَاثًا) وَرُوِيَ عَنهُ: (لَا تُسَافِر فَوق ثَلَاث) ، وَرُوِيَ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ:(لَا تُسَافِر ثَلَاثًا) . رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ والعدني فِي (مُسْنده) وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: هَذَا كُله لَيْسَ بتنافر وَلَا يخْتَلف، وَقد يكون هَذَا فِي مَوَاطِن مُخْتَلفَة ونوازل مُتَفَرِّقَة، فَحدث كل من سَمعهَا بِمَا بلغه مِنْهَا وَشَاهده، وَإِن حدث بهَا وَاحِد فَحدث مَرَّات بهَا على اخْتِلَاف مَا سَمعهَا، وَقد يُمكن أَن يلفق بَينهَا بِأَن الْيَوْم الْمَذْكُور مُفْرد أَو اللَّيْلَة الْمَذْكُورَة مُفْردَة، بِمَعْنى الْيَوْم وَاللَّيْلَة المجموعين لِأَن الْيَوْم من اللَّيْل وَاللَّيْل من الْيَوْم، وَيكون ذكره يَوْمَيْنِ مُدَّة مغيبها فِي هَذَا السّفر فِي السّير وَالرُّجُوع، فَأَشَارَ مرّة بمسافة السّفر وَمرَّة بِمدَّة المغيب، وَهَكَذَا ذكر الثَّلَاث، فقد يكون الْيَوْم الْوسط بَين السّير وَالرُّجُوع الَّذِي يقْضِي حَاجَتهَا بِحَيْثُ سَافَرت لَهُ، فتتفق على هَذَا الْأَحَادِيث، وَقد يكون هَذَا كُله تمثيلاً لأَقل الْأَعْدَاد للْوَاحِد إِذْ، الْوَاحِد أول الْعدَد وَأقله، والإثنان أول التكثير وَأقله، وَالثَّلَاث أول الْجمع، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَن مثل هَذَا فِي قلَّة الزَّمن لَا يحل لَهَا السّفر فِيهِ مَعَ غير ذِي محرم، فَكيف بِمَا زَاد؟ وَلِهَذَا قَالَ فِي الحَدِيث الآخر:(ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا) . وبحسب اخْتِلَاف هَذِه الرِّوَايَات اخْتلف الْفُقَهَاء فِي تَقْصِير الْمسَافَة وَأَقل السّفر. انْتهى.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدِيث الثَّلَاث وَاجِب اسْتِعْمَاله على كل حَال، وَمَا خَالفه فقد يجب اسْتِعْمَاله إِن كَانَ هُوَ الْمُتَأَخر، وَلَا يجب إِن كَانَ هُوَ الْمُتَقَدّم، فَالَّذِي وَجب علينا اسْتِعْمَاله وَالْأَخْذ بِهِ فِي كلا الْوَجْهَيْنِ أولى مِمَّا يجب اسْتِعْمَاله فِي حَال وَتَركه فِي حَال. فَإِن قلت: فِي هَذَا الْبَاب رِوَايَة ابْن عَبَّاس غير مضطربة، وَرِوَايَة غَيره مِمَّن ذَكَرْنَاهُمْ الْآن مضطربة، فَكَانَ الْأَخْذ بِرِوَايَة من روى عَنهُ سالما من الِاضْطِرَاب أولى من رِوَايَة من اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَة عَنهُ، فَحِينَئِذٍ الْأَخْذ بِرِوَايَة ابْن عَبَّاس أولى لما ذهب إِلَيْهِ النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ، وَقد ذكرنَا أَن مَذْهَب هذَيْن وَمذهب طَاوُوس واالظاهرية عدم جَوَاز سفر الْمَرْأَة مُطلقًا، سَوَاء كَانَ السّفر قَرِيبا أَو بَعيدا، إلَاّ وَمَعَهَا ذُو محرم لَهَا. قلت: رِوَايَة غير ابْن عَبَّاس زَادَت على رِوَايَة ابْن عَبَّاس، فالأخذ بِالزَّائِدِ أولى، وَلَكِن الزَّائِد فِي نَفسه مُخْتَلف، فرجح خبر الثَّلَاث لما ذكره الطَّحَاوِيّ الَّذِي مضى الْآن.
٧٢ - (بابُ مَنْ نَذَرَ المَشْيَ إلَى الْكَعْبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من نذر أَن يمشي إِلَى الْكَعْبَة: هَل يجب عَلَيْهِ الْوَفَاء بذلك أَو لَا؟ وَإِذا وَجب وَترك مَا نَذره قَادِرًا على الْوَفَاء أَو عَاجِزا عَن ذَلِك، فَمَاذَا يلْزمه؟ وَكَذَلِكَ إِذا نذر بذلك إِلَى كل مَكَان مُعظم؟ وَإِنَّمَا أطلق وَلم يبين الْجَواب لِأَن فِي كل حكم من ذَلِك خلافًا وتفصيلاً، ولنذكر بعض شَيْء فِي هَذَا الْبَاب، وَسَيَجِيءُ بَيَانه مفصلا فِي كتاب النّذر، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
٥٦٨١ - حدَّثنا ابنُ سَلامٍ قَالَ أخبرنَا الْفَزَارِيُّ عنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ حدَّثني ثابِتٌ عنْ أنسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى شَيْخا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ قَالَ مَا بالُ هَذا قالُوا نَذَر أنْ يَمْشِي قَالَ إنَّ الله عَنْ تَعْذِيبِ هَذا نَفْسَهُ لَغَنِى أمْرَهُ أنْ يَرْكَبَ.
(الحَدِيث ٥٦٨١ طرفه فِي: ١٠٧٦) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه جَوَاب لَهَا وَبَيَان لإبهامها.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، والفزاري، بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الزَّاي وبالراء: هُوَ مَرْوَان بن مُعَاوِيَة، وَقد مر فِي فضل صَلَاة الْعَصْر، وَقَالَ ابْن حزم: الْفَزارِيّ هَذَا هُوَ أَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ، أَو مَرْوَان، كِلَاهُمَا ثِقَة إِمَام، وَأما خلف وَأَبُو نعيم والطرقي وَغَيرهم من أَصْحَاب (الْأَطْرَاف) و (المستخرجات) فَذكرُوا أَنه مَرْوَان، وَرَوَاهُ مُسلم