وَغلب الْأَحْزَاب الَّذين جاؤا من أهل مَكَّة وَغَيرهم يَوْم الخَنْدَق. قَوْله: (فَلَا شَيْء بعده) أَي: جَمِيع الْأَشْيَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى وجوده كَالْعدمِ، أَو بِمَعْنى: كل شَيْء يفنى وَهُوَ الْبَاقِي بعد كل شَيْء فَلَا شَيْء بعد. قَالَ تَعَالَى: {كل شَيْء هَالك إلَاّ وَجهه} (الْقَصَص: ٨٨) . فَإِن قلت: هَذَا سجع وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذمّ السجع حَيْثُ قَالَ مُنكر: أسجع كسجع الْكُهَّان؟ قلت: الْمُنكر والمذموم السجع الَّذِي يَأْتِي بالتكلف وبالتزام مَا لَا يلْزم، وسجعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من السجع الْمَحْمُود لِأَنَّهُ جَاءَ بانسجام واتفاق على مُقْتَضى السجية، وَكَذَلِكَ وَقع مِنْهُ فِي أدعية كَثِيرَة من غير قصد لذَلِك وَلَا اعْتِمَاد إِلَى وُقُوعه مَوْزُونا مقفًى بِقَصْدِهِ إِلَى القافية.
٤١١٥ - حدَّثنا مُحَمَّدٌ أخبرنَا الفَزَارِي وعَبْدَةُ عنْ إسْمَاعِيلَ بنِ أبِي خالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ أبِي أوْفَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يَقُولُ دَعَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى الأحْزَابِ فَقَالَ أللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ سَرِيعَ الحِسَابِ اهزِمِ الأحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وزَلْزِلْهُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام البيكندي البُخَارِيّ، والفزاري، بِفَتْح الْفَاء وبالزاي وَكسر الرَّاء: هُوَ مَرْوَان ابْن مُعَاوِيَة بن الْحَارِث الْكُوفِي، سكن مَكَّة، وَعَبدَة هُوَ ابْن سُلَيْمَان، مر عَن قريب.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب الدُّعَاء على الْمُشْركين بالهزيمة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أَحْمد بن مُحَمَّد عَن عبد الله عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد نَحوه.
قَوْله: (سريع الْحساب) أَي: سريع فِي الْحساب، أَو سريع حسابه قريب زَمَانه.
٤١١٦ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ أخبرَنَا عَبْدُ الله أخبرَنَا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ سَالِمٍ ونافِعٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَاقفَلَ مِنَ الغَزْوِ أوِ الحَجِّ أوِ العُمْرَةِ يبْدَأُ فَيُكَبِّرُ ثَلاثَ مِرَارٍ ثُمَّ يَقُولُ لَا إلاهَ إلَاّ الله وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهْوَ علَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُونَ ساجِدُونَ لِرَبِّنَا حامِدُونَ صدَقَ الله وعْدَهُ ونصَرَ عَبْدَهُ وهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَنَافِع بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: عَن سَالم، وَالْمعْنَى: أَن مُوسَى بن عتبَة روى هَذَا الحَدِيث عَن كل وَاحِد من سَالم بن عبد الله بن عمر وَنَافِع مولى ابْن عمر، وكل مِنْهُمَا يرويهِ عَن عبد الله بن عمر.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب التَّكْبِير إِذا علا شرفاً، وَفِي: بَاب مَا يَقُول إِذا رَجَعَ من الْغَزْو.
قَوْله: (إِذا قفل) أَي: إِذا رَجَعَ، وَكلمَة: أَو، فِي الْمَوْضِعَيْنِ للتنويع لَا للشَّكّ. قَوْله: (لربنا) ، يحْتَمل أَن يتَعَلَّق بِمَا قبله وَبِمَا قبله، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
٣١ - (بابُ مَرْجِعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ الأحْزَابِ ومَخْرَجهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ومُحَاصَرَتِهِ وإيَّاهُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مرجع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والمرجع والمخرج بِفَتْح الْمِيم فيهمَا مصدران ميميان بِمَعْنى الرُّجُوع وَالْخُرُوج، وَالْمعْنَى، رُجُوع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْموضع الَّذِي كَانَ يُقَاتل فِيهِ الْأَحْزَاب إِلَى منزله بِالْمَدِينَةِ وَخُرُوجه مِنْهُ إِلَى بني قُرَيْظَة ومحاصرته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إيَّاهُم، وَكَانَ توجهه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَيْهِم لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة من سنة خمس، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: فِي بَقِيَّة ذِي الْقعدَة وَأول ذِي الْحجَّة، وَقَالَ ابْن سعد: خرج إِلَيْهِم يَوْم الْأَرْبَعَاء لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة فِي ثَلَاثَة آلَاف رجل وَالْخَيْل سِتَّة وَثَلَاثُونَ فرسا، فَحَاصَرَهُمْ بضعاً وَعشْرين لَيْلَة، وَقيل: خمْسا وَعشْرين لَيْلَة، وَقيل: خمس عشرَة لَيْلَة، وَقَالَ ابْن سعد: وَانْصَرف رَاجعا يَوْم الْخَمِيس لثمان خلون من ذِي الْحجَّة، وَالله أعلم.