٦٥ - (كِتَابُ الجِهَادِ والسيَرِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْجِهَاد، وَلم يَقع لفظ: كتاب، لأكْثر الروَاة، وَإِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَة ابْن شبويه والنسفي، وَلم تقع الْبَسْمَلَة إلَاّ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ مُقَدّمَة. وَالْجهَاد، بِكَسْر الْجِيم، أَصله فِي اللُّغَة الْجهد وَهُوَ الْمَشَقَّة، وَفِي الشَّرْع بذل الْجهد فِي قتال الْكفَّار لإعلاء كلمة الله تَعَالَى، وَالْجهَاد فِي الله بذل الْجهد فِي أَعمال النَّفس وتدليلها فِي سَبِيل الشَّرْع، وَالْحمل عَلَيْهَا مُخَالفَة النَّفس من الركون إِلَى الدعة وَاللَّذَّات وَاتِّبَاع الشَّهَوَات، وَهَذَا الْكتاب مَذْكُور هُنَا فِي جَمِيع النّسخ والشروح خلا ابْن بطال فَإِنَّهُ ذكره عقيب الْحَج وَالصَّوْم قبل الْبيُوع، وَلما وصل إِلَى هُنَا وصل بِكِتَاب الْأَحْكَام.
١ - (بابُ فَضْلِ الجِهَادِ والسِّيَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْجِهَاد وَفِي بَيَان السّير، وَهُوَ بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف: جمع سيرة، وَهِي الطَّرِيقَة وَمِنْه: سيرة القمرين، أَي: طريقتهما، وَذكر السّير هُنَا لِأَنَّهُ يجمع سير النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وطرقه فِي مغازيه وسير أَصْحَابه وَمَا نقل عَنْهُم فِي ذَلِك.
وقَوْلُ الله تَعَالَى: {إنَّ الله اشْتَرَي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ وأمْوَالَهُمْ بأنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وعْداً علَيْهِ حَقَّاً فِي التَّوْرَاةِ والإنْجِيلِ والْقُرآنِ ومَنْ أوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} (التَّوْبَة: ١١١) . إلَى قَوْلِهِ {وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ} (التَّوْبَة: ٢١١) .
وَقَول الله، مجرور عطفا على فضل الْجِهَاد، وَهَاتَانِ آيتان من سُورَة بَرَاءَة أولاهما هُوَ قَوْله: {إِن الله اشْترى} إِلَى قَوْله: {الْفَوْز الْعَظِيم} (التَّوْبَة: ١١١) . وَالثَّانيَِة هُوَ قَوْله: {التائبون العابدون} إِلَى قَوْله: {وَبشر الْمُؤمنِينَ} (التَّوْبَة: ٢١١) . وَالْمَذْكُور هُنَا هَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَابْن شبويه وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة الْآيَتَانِ جَمِيعًا مذكورتان بتمامهما، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر الْمَذْكُور إِلَى قَوْله: {وَعدا عَلَيْهِ حَقًا} (التَّوْبَة: ١١١) . من الْآيَة الأولى ثمَّ قَالَ إِلَى قَوْله: {والحافظون لحدود الله وَبشر الْمُؤمنِينَ} (التَّوْبَة: ٢١) . قَوْله: {إِن الله اشْترى. .} (التَّوْبَة: ١١١) . إِلَى آخِره، قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَغَيره: قَالَ عبد الله بن رَوَاحَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي: لَيْلَة الْعقبَة: اشْترط لِرَبِّك وَلِنَفْسِك مَا شِئْت، فَقَالَ: اشْترط لرَبي أَن تُصَدِّقُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا، وَاشْترط لنَفْسي أَن تَمْنَعُونِي مِمَّا تمْنَعُونَ مِنْهُ أَنفسكُم وَأَمْوَالكُمْ. قَالُوا: فَمَا لنا إِذا فعلنَا ذَلِك؟ قَالَ: الْجنَّة. قَالُوا: ربح البيع، لَا نقِيل وَلَا نَسْتَقِيل، فَنزلت: {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ} (التَّوْبَة: ١١١) . الْآيَة، وَالْمرَاد: أَن الله أَمرهم بِالْجِهَادِ بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم ليجازيهم بِالْجنَّةِ، فَعبر عَنهُ بِالشِّرَاءِ لما تضمن من عوض ومعوض، وَلما جوزوا بِالْجنَّةِ على ذَلِك عبر عَنهُ بِلَفْظ الشِّرَاء تجوزاً، وَالْبَاء فِي: بِأَن، للمقابلة وَالتَّقْدِير باستحقاقهم الْجنَّة. قَوْله: {يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله} (التَّوْبَة: ١١١) . قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فِيهِ معنى الْأَمر. كَقَوْلِه: {تجاهدون فِي سَبِيل الله بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ} (الصَّفّ: ١١) . قَوْله: {فيقتلون وَيقْتلُونَ} (التَّوْبَة: ١١١) . أَي: سَوَاء قَتَلُوا أوْ قُتِلوا أَو اجْتمع لَهُم هَذَا وَهَذَا، فقد وَجَبت لَهُم الْجنَّة. قَوْله: {وَعدا عَلَيْهِ حَقًا} (التَّوْبَة: ١١١) . وَعدا: مصدر مُؤَكد أخبر بِأَن هَذَا الْوَعْد الَّذِي وعده للمجاهدين فِي سَبِيل الله وعد ثَابت، وَقد أثْبته فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل كَمَا أثْبته فِي الْقُرْآن. قَوْله: {وَمن أوفى بعهده من الله} (التَّوْبَة: ٢١١) . أَي: لَا أحد أعظم وَفَاء بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ من الله، فَإِنَّهُ لَا يخلف الميعاد. قَوْله: {فاستبشروا} (التَّوْبَة: ١١١) . أَي: افرحوا بِهَذَا البيع، أَي: فليبشر من قَامَ بِمُقْتَضى هَذَا العقد، ووفى هَذَا الْعَهْد بالفوز الْعَظِيم وَالنَّعِيم الْمُقِيم. قَوْله: {التائبون} (التَّوْبَة: ٢١١) . رفع على الْمَدْح أَي: هم التائبون، وَهَذَا نعت للْمُؤْمِنين الْمَذْكُورين، يَعْنِي: التائبون من الذُّنُوب كلهَا، التاركون للفواحش، {العابدون} (التَّوْبَة: ٢١١) . أَي: القائمون بِعبَادة رَبهم، وَقيل: بطول الصَّلَاة، وَقيل: بِطَاعَة الله. قَوْله: {الحامدون} (التَّوْبَة: ٢١١) . أَي: على دين الْإِسْلَام. وَقيل: على السَّرَّاء وَالضَّرَّاء. قَوْله: {السائحون} (التَّوْبَة: ٢١١) . أَي: الصائمون، كَذَا قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَاصِم عَن ذَر عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاك، وَقَالَ ابْن جرير: حَدثنَا أَحْمد بن إِسْحَاق حَدثنَا أَبُو أَحْمد حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن يزِيد عَن الْوَلِيد بن عبد الله عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، (قَالَت: سياحة هَذِه الْأمة الصّيام) . وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير وَعَطَاء وَالضَّحَّاك وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَآخَرُونَ، (وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: السائحون الصائمون شهر رَمَضَان) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute