الْمُسْتَمْلِي، وَاحْتج البُخَارِيّ بقوله تَعَالَى: {بِمَا أَرَاك الله} أَي: بِمَا أعلمك الله. وَأجِيب عَن هَذَا بِأَنَّهُ إِذا حكم بَين النَّاس الْقيَاس فقد حكم أَيْضا بِمَا أرَاهُ الله، وَنقل ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ بِمَا حَاصله: إِن الَّذِي احْتج بِهِ البُخَارِيّ بِمَا ادَّعَاهُ من النَّفْي حجَّة فِي الْإِثْبَات، لِأَن المُرَاد بقوله: لَيْسَ محصوراً فِي النُّصُوص بل فِيهِ إِذن بالْقَوْل فِي الرَّأْي. قلت: فحينئذٍ تنْقَلب الْحجَّة عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: سُئِلَ النبيُّ عنِ الرُّوحِ فَسَكَتَ حتَّى نَزَلَتْ.
ذكر هَذَا التَّعْلِيق عَن عبد الله بن مَسْعُود دَلِيلا لقَوْله فِي التَّرْجَمَة: وَلم يجب، لِأَن عدم الْإِجَابَة السُّكُوت وَلَا ينتهض هَذَا دَلِيلا لما ادَّعَاهُ لأَنا قد ذكرنَا أَن سُكُوته فِي مثل هَذَا الْموضع لكَونه فِي أَشْيَاء معضلة وَلَيْسَ لَهَا أصُول فِي الشَّرِيعَة، فَلَا بُد فِي مثل هَذَا من الْوَحْي، وَمَعَ هَذَا مَا أطلعه الله فِي هَذِه الْآيَة، وَهِي: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} الْآيَة على حَقِيقَة كَيْفيَّة الرّوح، بل قَالَ: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} وَهَذَا التَّعْلِيق مضى مَوْصُولا فِي آخر: بَاب مَا يكره من كَثْرَة السُّؤَال، لكنه ذكر فِيهِ: فَقَامَ سَاعَة ينْتَظر، وَأوردهُ فِي كتاب الْعلم بِلَفْظ: فَسكت، وَأوردهُ فِي تَفْسِير سُبْحَانَ، بِلَفْظ: فَأمْسك، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فأسكت النَّبِي، فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا.
٧٣٠٩ - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ المُنْكَدِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: مَرِضْتُ فَجَاءَنِي رسولُ الله يَعُودُني وأبُو بَكْرٍ وهُما ماشِيان، فَأَتَانِي وقعدْ أُغْمَيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأ رسولُ الله ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ فأفَقْتُ فَقُلتُ يَا رسولَ الله ورُبَّما قَالَ سُفْيانُ: فَقُلْتُ: أيْ رسولَ الله كَيْفَ أقْضِي فِي مَالِي؟ كَيْفَ أصْنَعُ فِي مَالِي؟ قَالَ: فَما أجابَنْي بِشَيْءٍ حتَّى نَزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة على زَعمه تُؤْخَذ من آخر الحَدِيث. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة يروي عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر.
والْحَدِيث مضى فِي سُورَة النِّسَاء فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُم الله} وَلَفظه فِي آخر الحَدِيث فَنزلت {يُوصِيكُم الله}
قَوْله: وَقد أغمى عَليّ أَي: غشي، وَالْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: وضوءه بِفَتْح الْوَاو وَهُوَ المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ. قَالَ الدَّاودِيّ: وَفِي هَذَا الحَدِيث الْوضُوء للْمَرِيض شِفَاء. قَوْله: وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة الرَّاوِي.
قَالَ الدَّاودِيّ: فِيهِ: جَوَاز الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى، ورد عَلَيْهِ بِأَن هَذَا لَا يتَضَمَّن حكما، وَلَيْسَ من قَول رَسُول الله،
٩ - (بابُ تَعْلِيمِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُمَّتَهُ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ مِمَّا عَلَّمَهُ الله لَيْسَ بِرَأْيٍ وَلَا تَمْثِيلٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَعْلِيم رَسُول الله، أمته إِلَى آخِره، قَالَ الْمُهلب: مُرَاده أَن الْعَالم إِذا كَانَ يُمكنهُ أَن يحدث بالنصوص لَا يحدث بنظره وَلَا قِيَاسه. انْتهى. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح ترْجم فِي كتاب الْعلم: بَاب هَل يَجْعَل للنِّسَاء يَوْمًا على حِدة فِي الْعلم، ثمَّ نقل كَلَام الْمُهلب، ثمَّ قَالَ: بِهَذَا معنى التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ، حَدثهمْ حَدِيثا عَن الله لَا يبلغهُ قِيَاس وَلَا نظر، وَإِنَّمَا هُوَ تَوْقِيف ووحي، وَكَذَلِكَ مَا حَدثهمْ بِهِ من سنَنه فَهُوَ عَن الله تَعَالَى أَيْضا لقَوْله: هُهِهّهْ ٠ النَّجْم: ٣ ف قَوْله: لَيْسَ بِرَأْي قد مر تَفْسِير الرَّأْي. قَوْله: وَلَا تَمْثِيل أَي: قِيَاس وَهُوَ إِثْبَات مثل حكم مَعْلُوم فِي مَعْلُوم آخر لاشْتِرَاكهمَا فِي عِلّة الحكم، وَهَذَا يدل على أَنه من نفاة الْقيَاس، وَقد قُلْنَا فِيمَا مضى: إِن الْقيَاس اعْتِبَار وَالِاعْتِبَار مَأْمُور بِهِ لقَوْله تَعَالَى: ٠ الْحَشْر: ٢ ف فَالْقِيَاس مَأْمُور بِهِ.
٧٣١٠ - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا أبُو عَوَانَة، عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ الأصْبَهانيِّ، عنْ أبي صالِحٍ ذَكْوَانَ،