قَوْله: (فخبر بِهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: خبر بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبُو بكر، يَعْنِي: أخبرهُ مخبر بِأَنَّهُ جَاءَ. قَوْله: (حدث) بِفَتْح الدَّال. قَوْله: (أخرج) ، بِفَتْح الْهمزَة أَمر من الْإِخْرَاج. قَوْله: (من عنْدك) ، بِفَتْح الْمِيم مفعول أخرج، ويروى: (مَا عنْدك) ، وَكلمَة: مَا، عَامَّة تتَنَاوَل الْعُقَلَاء وَغَيرهم. قَوْله: (الصُّحْبَة) ، بِالنّصب أَي: أَنا أُرِيد أَو أطلب الصُّحْبَة مَعَك عِنْد الْخُرُوج، وَيجوز الرّفْع أَي: مرادي الصُّحْبَة أَو مطلوبي وَكَذَا لَفْظَة الصُّحْبَة الثَّانِيَة، بِالنّصب أَي: أَنا أُرِيد أَو أطلب الصُّحْبَة أَيْضا أَو ألزم صحبتك، وَيجوز بِالرَّفْع أَي: مطلوبي أَيْضا الصُّحْبَة أَو الصُّحْبَة مبذولة. قَوْله: (أعددتهما؟) قَالَ ابْن التِّين: وَقع فِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: (عددتهما لِلْخُرُوجِ) ، يَعْنِي: بِدُونِ الْهمزَة. قَالَ: صَوَابه: أعددتهما، لِأَنَّهُ رباعي. قلت: قَوْله: رباعي، بِالنِّسْبَةِ إِلَى عدد حُرُوفه، وَلَا يُقَال فِي مصطلح الصرفيين إلَاّ: ثلاثي مزِيد فِيهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الْمُهلب: وَجه اسْتِدْلَال البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب بِحَدِيث عَائِشَة أَن قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي النَّاقة: قد أَخَذتهَا، لم يكن أخذا بِالْيَدِ وَلَا بحيازة شخصها، وَإِنَّمَا كَانَ الْتِزَامه لابتياعها بِالثّمن، وإخراجها من ملك أبي بكر، لِأَن قَوْله: قد أَخَذتهَا، يُوجب أخذا صَحِيحا وإخراجا وَاجِبا للناقة من ملك أبي بكر إِلَى ملك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالثّمن الَّذِي يكون عوضا مِنْهَا، فَهَل يكون التَّصَرُّف بِالْمَبِيعِ قبل الْقَبْض أَو الضّيَاع إلَاّ لصَاحب الذِّمَّة الضامنة لَهَا؟ انْتهى. قلت: وَقَالَ بَعضهم: وَلَيْسَ مَا قَالَه بواضح، لِأَن الْقِصَّة مَا سيقت لبَيَان ذَلِك، فَلذَلِك اختصر فِيهَا قدر الثّمن وَصفَة العقد، فَيحمل كل ذَلِك على أَن الرَّاوِي اخْتَصَرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ من غَرَضه فِي سِيَاقه، وَكَذَلِكَ اختصر صفة الْقَبْض، فَلَا يكون فِيهِ حجَّة فِي عدم اشْتِرَاط الْقَبْض. انْتهى. قلت: الَّذِي قَالَه الْمُهلب أوضح مَا يكون، لِأَن ترك سوق الْقِصَّة لبَيَان ذَلِك لَا يسْتَلْزم نفي صِحَة مَا قَالَه الْمُهلب وَلَا الِاخْتِصَار فِيهَا قدر الثّمن وَصفَة العقد، وَلَا الْأَمر فِيهِ مَبْنِيّ على غَرَض الرَّاوِي فِي اختصاره الحَدِيث وتقطيعه، وَالْعَمَل على متن الحَدِيث وَصِحَّة الِاسْتِدْلَال بألفاظه، وَقد صرح فِي الحَدِيث بِالْأَخْذِ الصَّحِيح لاشترائه بِالثّمن، وَهُوَ يُوجب الْإِخْرَاج من ملك البَائِع إِلَى ملك المُشْتَرِي، وَقد اسْتدلَّ بِهِ أَبُو حنيفَة وَغَيره بِأَن الِافْتِرَاق بالْكلَام لَا بالأبدان، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قد أَخَذتهَا بِالثّمن، قبل أَن يفترقا، وَتمّ البيع بَينهمَا. فَافْهَم.
٨٥ - (بابٌ لَا يَبِيعُ عَلى بَيْعِ أخِيهِ ولَا يَسُومُ علَى سَوْمِ أخِيهِ حتَّى يأذَنَ لَهُ أوْ يَتْرُكَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يَبِيع على بيع أَخِيه، وَهُوَ أَن يَقُول فِي زمن الْخِيَار: إفسخ بيعك وَأَنا أبيعك مثله، بِأَقَلّ مِنْهُ، وَيحرم أَيْضا الشِّرَاء بِأَن يَقُول للْبَائِع: إفسخ وَأَنا أَشْتَرِي بِأَكْثَرَ مِنْهُ. قَوْله: (وَلَا يسوم على سوم أَخِيه) ، وَهُوَ السّوم على السّوم، وَهُوَ أَن يتَّفق صَاحب السّلْعَة والراغب فِيهَا على البيع وَلم يعقداه، فَيَقُول آخر لصَاحِبهَا: أَنا أشتريها بِأَكْثَرَ، أَو للراغب: أَنا أبيعك خيرا مِنْهَا بأرخص، وَهَذَا حرَام بعد اسْتِقْرَار الثّمن، بِخِلَاف مَا يُبَاع فِيمَن يزِيد، فَإِنَّهُ قبل الِاسْتِقْرَار. وَقَوله: (لَا يَبِيع) ، نفي، وَكَذَلِكَ: (لَا يسوم) ويروى: (لَا يبع وَلَا يسم) ، بِصُورَة النَّهْي. قَوْله: (حَتَّى يَأْذَن لَهُ) أَي: حَتَّى يَأْذَن أَخُوهُ للْبَائِع بذلك، أَو يتْرك أَخُوهُ اتفاقه مَعَ البَائِع، وتقييده بِالْإِذْنِ أَو التّرْك يرجع إِلَى البيع والسوم جَمِيعًا. فَإِن قلت: لم يَقع ذكر السّوم فِي حَدِيثي الْبَاب؟ قلت: قد وَقع فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث، وَأَن يستام الرجل على سوم أَخِيه، أخرجه فِي الشُّرُوط من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَيْهِ، وَهَذَا لَهُ وَجه لِأَنَّهُ فِي كِتَابه أخرجه فِيهِ. فَإِن قلت: لم يذكر أَيْضا شَيْئا لقَوْله: (حَتَّى يَأْذَن لَهُ أَو يتْرك؟) قلت: ذكر هَذَا الْقَيْد فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق عبيد الله بن عمر عَن نَافِع فِي هَذَا الحَدِيث بِلَفْظ: (لَا يَبِيع الرجل على بيع أَخِيه، وَلَا يخْطب على خطْبَة أَخِيه إلَاّ أَن يَأْذَن لَهُ) . فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِ، وَاكْتفى بِهِ، كَذَا قيل: وَلَكِن هَذَا بعيد من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه غير مَذْكُور فِي كِتَابه، وَالْإِشَارَة إِلَى مَا ذكر فِي كتاب غَيره بعيد. وَالْآخر: أَن الِاسْتِثْنَاء فِي الحَدِيث الْمَذْكُور يخْتَص بقوله: وَلَا يخْطب على خطْبَة أَخِيه، وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يكون اسْتثِْنَاء من الْحكمَيْنِ.
٩٣١٢ - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلى بَيْعِ أخِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute