للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِأَنَّهُ أدخلهُ على نَفسه، هَكَذَا ذكرُوا هَذِه الْأَشْيَاء، وَفِي هَذَا الزَّمَان لَا يمشي بعض ذَلِك، بل يقف عَلَيْهِ من لَهُ اعتناء بالفقه، وَالله أعلم.

٤١ - (بابُ القطائع)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم القطائع، وَهُوَ جمع قطيعة من: أقطعه الإِمَام أَرضًا يَتَمَلَّكهُ ويستبد بِهِ وينفرد، والإقطاع يكون تَمْلِيكًا وَغير تمْلِيك، وإقطاع الإِمَام تسويفه من مَال الله تَعَالَى لمن يرَاهُ أَهلا لذَلِك، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي إقطاع الأَرْض، وَهُوَ أَن يخرج مِنْهَا شَيْئا يحوزه إِمَّا أَن يملكهُ إِيَّاه فيعمره، أَو يجل لَهُ غَلَّته مُدَّة. قلت: فِي صُورَة التَّمْلِيك يملك الَّذِي أقطع لَهُ، وَهُوَ الَّذِي يُسمى المقطع لَهُ رَقَبَة الأَرْض فَيصير ملكا لَهُ يتَصَرَّف فِيهِ تصرف الْملاك فِي أملاكهم، وَفِي صُورَة جعل الْغلَّة لَهُ لَا يملك إلَاّ مَنْفَعَة الأَرْض دون رقبَتهَا، فعلى هَذَا يجوز للجندي الَّذِي يقطع لَهُ أَن يُؤجر مَا أقطع لَهُ لِأَنَّهُ يملك مَنَافِعهَا، وَأَن لم يملك رقبته، وَله نَظَائِر فِي الْفِقْه. مِنْهَا: أَنه إِذا وَقعت الْمُصَالحَة على خدمَة عبد سنة كَانَ للْمصَالح أَن يؤجره، وَمَعْلُوم أَنه لَا يملك رقبته، وَإِنَّمَا يملك منفعَته. وَمِنْهَا: أَن المستؤجر يملك إِجَارَة مَا اسْتَأْجرهُ، وَإِن كَانَ لَا يملك مِنْهُ إلَاّ الْمَنْفَعَة. وَمِنْهَا: أَن الْوَقْف بِأَن غَلَّته لفُلَان صَحِيح، وَله أَن يؤجره فِي الصَّحِيح ذكره فِي (الْمُحِيط) . وَمِنْهَا: أَن أم الْوَلِيد يجوز لسَيِّدهَا أَن يؤجرها، مَعَ أَنه لَا يملك مِنْهَا سوى مَنْفَعَتهَا، فَإِذا جَازَت لَهُ الْإِجَارَة تجوز لَهَا الْمُزَارعَة أَيْضا، لِأَن الْقرى والأراضي فِي الممالك الإسلامية لَا يُمكن أَن ينْتَفع بهَا إلَاّ بالكراء والزراعة ومباشرة أَعمال الفلاحة من السَّقْي والحصاد والدياس والتذرية وَغير ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي يتَوَقَّف عَلَيْهَا الاستغلال، وَذَلِكَ لَا يحصل إلَاّ بالمزارعة عَلَيْهَا، أَو بإيجارها لمن يقوم بِهَذِهِ الْأَعْمَال، فَإِن الْجند لَا يقدرُونَ على الْقيام بذلك بِأَنْفسِهِم، إِذْ لَو أمروا بذلك لصاروا أكرة وتعطل الْمَعْنى الْمَطْلُوب مِنْهُم، وَهُوَ الْقيام بِمَا أعدُّوا لَهُ من مصَالح الْمُسلمين، وَهِي: قتال أَعدَاء الْإِسْلَام، وردع المفسدين، وقمع الخارجين، وصون الْأَمْوَال والأنفس من السراق واللصوص وقطاع الطَّرِيق، وَحفظ مراصد الطرقات ومواطن المرابطات، فَمَتَى اشْتغل الْجند بذلك تفوت تِلْكَ الْمصَالح، كَمَا قَالَ أَصْحَابنَا فِي رزق القَاضِي: إَنه إِذا كَانَ فَقِيرا فَالْأَفْضَل لَهُ، بل الْوَاجِب عَلَيْهِ، الْأَخْذ لِأَنَّهُ مَتى اشْتغل بِالْكَسْبِ أقعد عَن إِقَامَته فرض الْقَضَاء، فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك يجوز لَهُم الِانْتِفَاع بِالَّذِي يقطع لَهُم بِالْإِجَارَة أَو الْمُزَارعَة، فبأيهما تمكن الجندي فعل، أما الْمُزَارعَة فعلى قَول الصاحبين، فَإِنَّهَا فِي معنى الْإِجَارَة، فليزارع الْجند على قَوْلهمَا بِالشُّرُوطِ الَّتِي ذَكرنَاهَا، كَمَا هِيَ محررة فِي كتب الْفِقْه، وَالله أعلم.

٦٧٣٢ - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أنسا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أرادَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يُقْطِعَ مِنَ البَحْرَيْنَ فقالَتْ الأنصَارُ حتَّى تُقْطِعَ لإخْوَانِنا مِن المهَاجِرِينَ مِثْلَ الَّذِي تُقْطِعُ لَنَا قَالَ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً فاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، يعلم ذَلِك من قَوْله: (أَن يقطع من الْبَحْرين) وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَفِي بعض النّسخ ذكر مَنْسُوبا، وَيحيى ابْن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِزْيَة عَن أَحْمد بن يُونُس، وَفِي فضل الْأَنْصَار عَن عبد الله بن مُحَمَّد.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن يقطع من الْبَحْرين) يَعْنِي: أَرَادَ أَن يقطع من الْبَحْرين للْأَنْصَار، وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: دَعَا الْأَنْصَار ليقطع لَهُم الْبَحْرين، وَفِي حَدِيث الْإِسْمَاعِيلِيّ: ليقطع لَهُم الْبَحْرين أَو طَائِفَة مِنْهَا، وَكَانَ الشَّك فِيهِ من حَمَّاد. قلت: الظَّاهِر أَنه أَرَادَ أَن يقطع لَهُم قِطْعَة مِنْهَا، لِأَن كلمة: من، فِي قَوْله: من الْبَحْرين، تَقْتَضِي التَّبْعِيض، وَلَا يُنَافِي أَن تكون للْبَيَان أَيْضا، وَلكُل من الصُّورَتَيْنِ وَجه، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا سَيَأْتِي فِي الْجِزْيَة من طَرِيق زُهَيْر عَن يحيى بِلَفْظ: دعى الْأَنْصَار ليكتب لَهُم بِالْبَحْرَيْنِ، لِأَن الظَّاهِر أَن مَعْنَاهُ ليكتب لَهُم طَائِفَة بِالْبَحْرَيْنِ، وَيحْتَمل أَن يكْتب لَهُم الْبَحْرين كلهَا، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ فِي مَنَاقِب الْأَنْصَار من رِوَايَة سُفْيَان عَن يحيى: إِلَى أَن يقطع لَهُم الْبَحْرين. وَقَالَ الْخطابِيّ: يحْتَمل أَن يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ العامر من الْبَحْرين، لَكِن فِي حَقه من الْخمس، لِأَنَّهُ كَانَ ترك أرْضهَا فَلم يقسمها. وَقَالَ ابْن قرقول: وَالَّذِي فِي هَذَا الحَدِيث لَيْسَ مِنْهَا، فَإِن الْبَحْرين كَانَت صلحا فَلم

<<  <  ج: ص:  >  >>