الأَنْصَارِ فَسَأَلَ أنَسا بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ، فَقَالَ هُوَ الَّذِي يَقُولُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هاذا الَّذِي أوْ فِي الله لَهُ يَا ذُنِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من آخر الحَدِيث وَهُوَ قَوْله: هَذَا الَّذِي أوفى الله لَهُ بِإِذْنِهِ، وَذَلِكَ أَن زيد بن أَرقم لما حكى لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَول عبد الله بن أبي بن سلول، قَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَعَلَّه أَخطَأ سَمعك. قَالَ: لَا، فَلَمَّا نزلت الْآيَة الَّتِي هِيَ التَّرْجَمَة لحق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زيدا من خَلفه فَعَرَكَ أُذُنه فَقَالَ: وَقت أُذُنك يَا غُلَام، وَهُوَ معنى قَوْله: هَذَا الَّذِي أوفى الله لَهُ بِإِذْنِهِ بِضَم الْهمزَة، أَي صدق الله لَهُ بِإِذْنِهِ. أَي: يسمعهُ، وَكَأَنَّهُ جعل أُذُنه كالضامنة بِتَصْدِيق مَا سَمِعت، فَلَمَّا نزل الْقُرْآن بِهِ صَارَت كَأَنَّهَا واقية بضمانها.
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده، وَذكره الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) فِي تَرْجَمَة أنس بن مَالك عَن زيد بن أَرقم. قَوْله:(حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله) ، هُوَ ابْن أبي أويس الْمدنِي ابْن أُخْت الإِمَام مَالك بن أنس، وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة بِضَم الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف ابْن أخي مُوسَى بن عقبَة يروي عَن عَمه مُوسَى بن عقبَة بن أبي عَيَّاش، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْأَسدي الْمَدِينِيّ، وَعبد الله بن الْفضل بن الْعَبَّاس بن ربيعَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب الْهَاشِمِي الْمدنِي من التَّابِعين الصغار الثِّقَات، وَمَاله من البُخَارِيّ عَن أنس إلَاّ هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ من أَقْرَان مُوسَى بن عقبَة الرَّاوِي عَنهُ. قَوْله:(حزنت) ، بِكَسْر الزَّاي من الْحزن. قَوْله:(على من أُصِيب بِالْحرَّةِ) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء وَهِي أَرض بِظَاهِر الْمَدِينَة فِيهَا حِجَارَة سود كَثِيرَة كَانَت بهَا وقْعَة فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ، وسببها أَن أهل الْمَدِينَة خلعوا بيعَة يزِيد بن مُعَاوِيَة لما بَلغهُمْ مَا يعتمده من الْفساد، فَأمر الْأَنْصَار عَلَيْهِم عبد الله بن حَنْظَلَة بن أبي عَامر وَأمر الْمُهَاجِرُونَ عَلَيْهِم عبد الله بن مُطِيع الْعَدوي، وَأرْسل إِلَيْهِم يزِيد بن مُعَاوِيَة مُسلم بن عقبَة الْمزي فِي جَيش كثير فَهَزَمَهُمْ واستباحوا الْمَدِينَة. وَقتل من الْأَنْصَار خلق كثير جدا. وَكَانَ أنس يَوْمئِذٍ بِالْبَصْرَةِ قبلغه ذَلِك فَحزن على من أُصِيب من الْأَنْصَار، فَكتب إِلَيْهِ زيد بن أَرقم، وَكَانَ يَوْمئِذٍ بِالْكُوفَةِ وَهُوَ معنى قَول أنس: فَكتب إِلَيّ، بتَشْديد الْيَاء زيد بن أَرقم الحَدِيث الَّذِي ذكره، وَهُوَ قَوْله: اللَّهُمَّ أَغفر للْأَنْصَار الحَدِيث، وعزى أنسا بذلك. قَوْله:(وبلغه شدَّة حزني) ، جملَة حَالية أَي: وَالْحَال أَنه قد بلغ زيد بن أَرقم شدَّة حزني الْقَائِل بذلك أنس. قَوْله:(يذكر) ، أَيْضا حَال. أَي: حَال كَون كِتَابَته يذكر أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله:(وَشك ابْن الْفضل) أَي: شكّ عبد الله بن الْفضل: هَل ذكر أَبنَاء الْأَبْنَاء أم لَا، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق قَتَادَة: اللَّهُمَّ اغْفِر للْأَنْصَار ولأبناء الْأَنْصَار وَأَبْنَاء أَبنَاء الْأَنْصَار، من غير شكّ، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة عَليّ بن زيد عَن النَّضر بن أنس عَن زيد بن أَرقم أَنه كتب إِلَى أنس بن مَالك يعزيه فِيمَن أُصِيب من أَهله وَبني عَمه يَوْم الْحرَّة فَكتب إِلَيْهِ إِنِّي أُبَشِّرك ببشرى من الله إِنِّي سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر للْأَنْصَار ولذراري الْأَنْصَار ولذراري ذَرَارِيهمْ قَوْله: (فَسَأَلَ أنسا بعض من كَانَ عِنْده) لم يعرف هَذَا السَّائِل من هُوَ، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون النَّضر بن أنس فَإِنَّهُ روى حَدِيث الْبَاب عَن زيد بن أَرقم. قلت: هَذَا احْتِمَال بالتخمين فَلَا يُفِيد شَيْئا على أَن عِنْد أنس كَانَت جمَاعَة حِينَئِذٍ، وَزعم ابْن التِّين أَنه وَقع عِنْد الْقَابِسِيّ، فَسَأَلَ أنس بعض من عِنْده: بِرَفْع أنس على الفاعلية، وَنصب بعض على المفعولية، وَالْأول هُوَ الصَّوَاب. قَوْله:(هُوَ الَّذِي) أَي: زيد بن أَرقم هُوَ الَّذِي يَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَقه هَذَا الَّذِي أوفى الله لَهُ بأذنه، وَقد مر تَفْسِيره الْآن، وَقيل: يجوز فتح الْهمزَة والذال من أُذُنه أَي: أظهر صدقه فِيمَا أعلم بِهِ، وَمعنى: أوفى صدق.