وَقد علم أَن سَاكن الْوسط يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ: الصّرْف وَتَركه، كَمَا فِي نوح ودعد وَنَحْوهمَا.
قَوْله: (شحيح) أَي: بخيل، وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة: رجل مسيك. قَوْله: (وَهُوَ لَا يعلم) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَقد احْتج بِهِ من قَالَ: تلْزمهُ نَفَقَة وَلَده وَإِن كَانَ كَبِير أورد بِأَنَّهَا وَاقعَة عين وَلَا عُمُوم فِي الْأَفْعَال، وَلَعَلَّ الْوَلَد فِيهِ كَانَ صَغِيرا وكبيرا زَمنا عَاجِزا عَن الْكسْب، وَبَعض الْمَالِكِيَّة. قَالَ: تلْزمهُ إِذا كَانَ زَمنا مُطلقًا.
وَفِيه: مَسْأَلَة الظفرة، وَقد تقدم ذكرهَا فِي الْمَظَالِم على تَفْصِيل وَاخْتِلَاف فِيهَا. وَفِيه: أَن وصف الْإِنْسَان بِمَا فِيهِ من النَّقْص على وَجه التظلم مِنْهُ، والصيرورة إِلَى طلب الانتصاف من حق عَلَيْهِ جَائِز وَلَيْسَ بغيبة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُنكر عَلَيْهَا قَوْلهَا، وَاسْتدلَّ بعض الشَّافِعِيَّة على الْحَنَفِيَّة فِي مَنعهم الْقَضَاء على الْغَائِب بِقصَّة هِنْد لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى على زَوجهَا وَهُوَ غَائِب. قَالَت الْحَنَفِيَّة: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح، لِأَن هَذِه الْقَضِيَّة كَانَت بِمَكَّة، وَكَانَ أَبُو سُفْيَان حَاضر.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مِقْدَار مَا يفْرض السُّلْطَان للزَّوْجَة على زَوجهَا. فَقَالَ مَالك: يفْرض لَهَا بِقدر كفايتها فِي الْيُسْر والعسر وَيعْتَبر حَالهَا من حَاله، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة: وَلَيْسَت مقدرَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: مقدرَة بِاجْتِهَاد الْحَاكِم فِيهَا. وَهِي تعْتَبر بِحَالهِ دونهَا. فَمن كَانَ مُوسِرًا فمدان كل يَوْم، وَإِن كَانَ متوسطا فَمد وَنصف، وَمن كَانَ مُعسرا فَمد، فَيجب لبِنْت الْخَلِيفَة مَا يجب لبِنْت الحارس.
١٠ - (بَابُ: {حِفْظِ المَرْأةِ زَوْجِها فِي ذَاتِ يَدِهِ وَالنَّفَقَةِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب حفظ الْمَرْأَة زَوجهَا فِي ذَات يَده، يَعْنِي: فِي مَاله. قَوْله: (وَالنَّفقَة) ، أَي: وَفِي النَّفَقَة. وَهُوَ من عطف الْخَاص على الْعَام، وَوَقع فِي بعض النّسخ، وَالنَّفقَة عَلَيْهِ. أَي: على الزَّوْج.
٥٣٦٥ - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا ابنُ طَاوُوسِ عَنْ أبِيهِ وَأبُو الزِّنادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ، وَقَالَ الآخَرُ: صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صَغرِهِ وَأرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وأرعاه على زوج فِي ذَات يَدَيْهِ) وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَابْن طَاوُوس عبد الله، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب النِّكَاح فِي: بَاب إِلَى من ينْكح وَأي النِّسَاء خير.
قَوْله: (وَأَبُو الزِّنَاد) ، عطف على (ابْن طَاوُوس) وَحَاصِله أَن لِسُفْيَان فِيهِ شيخين: أَحدهمَا: ابْن طَاوُوس، وَالْآخر: أَبُو الزِّنَاد. قَوْله: (خير نسَاء ركبن الْإِبِل نسَاء قُرَيْش) ، حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة وَفِي آخر الحَدِيث يَقُول: أَبُو هُرَيْرَة. وَلم تركب مَرْيَم ابْنة عمرَان بَعِيرًا قطّ، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قد قَالَ: خير نسَاء ركبن الْإِبِل، وَذكر صَاحب (النَّجْم الثاقب) أَن أَبَا هُرَيْرَة فهم أَن الْبَعِير من الْإِبِل فَقَط وَلَيْسَ كَذَلِك، بل يكون أَيْضا حمارا. قَالَ تَعَالَى: {وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير وَأَنا بِهِ زعيم} (يُوسُف: ٧٢) قَالَ ابْن خالويه: لم تكن إخْوَة يُوسُف ركبانا إلَاّ على أحمرة، وَلم يكن عِنْدهم إبل، وَلم يكن حملانهم فِي أسفارهم وَشبههَا إلَاّ على أحمرة، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد: الْبَعِير هُنَا الْحمار، وَهِي لُغَة حَكَاهَا الكواشي. قَوْله: (وَقَالَ الآخر) بِفَتْح الْخَاء (صَالح نسَاء قُرَيْش) أَرَادَ أَن أحد الِاثْنَيْنِ من ابْن طَاوُوس وَأَبُو الزِّنَاد الَّذِي سمع مِنْهُمَا سُفْيَان هَذَا الحَدِيث. قَالَ: (خير نسَاء ركبن الْإِبِل) وَقَالَ الآخر: (صَالح نسَاء قُرَيْش) وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان قَالَ أَحدهمَا: صَالح نسَاء قُرَيْش كَذَا بالإبهام، وَلَكِن بَين فِي رِوَايَة معمر عَن ابْن طَاوُوس عِنْد مُسلم، أَن الَّذِي زَاد لفظ: صَالح، هُوَ ابْن طَاوُوس، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: صُلَّح نسَاء قُرَيْش، بِضَم الصَّاد وَفتح اللَّام الْمُشَدّدَة وَهُوَ صِيغَة جمع. قَوْله: (أحناهُ على وَلَده) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة من الحنو وَهُوَ الْعَطف والشفقة وَهُوَ صِيغَة التَّفْضِيل من الحانية، وَقَالَ ابْن التِّين: هِيَ الَّتِي تقيم على وَلَدهَا فَلَا تتَزَوَّج، يُقَال: حَتَّى يحنى وحنا يحنو إِذا أشْفق، فَإِن تزوجت الْمَرْأَة لَيست بحانية. قَوْله: (وأرعاه) من الرِّعَايَة وَهِي الْحِفْظ أَو من الإرعاء وَهِي الْإِبْقَاء. فَإِن قلت: كَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: إحناهن. قلت: الْعَرَب فِي مثله لَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ إلَاّ مُفْرد أَو لَعَلَّه بِاعْتِبَار الْمَذْكُور، أَو بِاعْتِبَار لفظ النِّسَاء.
(وَيُذْكرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَابنِ عَبَّاسٍ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)