للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قصر الصَّلَاة فِي السّفر، وَهُوَ الْأَفْضَل عِنْد أَصْحَابنَا، وَالَّذِي فِي مُسلم يدل عَلَيْهِ. وَفِيه: جَوَاز الْمُرُور وَرَاء ستْرَة الْمُصَلِّي، وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ: أَنه يجوز لِبَاس الثِّيَاب الملونة للسَّيِّد الْكَبِير والزاهد فِي الدُّنْيَا، والحمرة أشهر الملونات وَأجل الزِّينَة فِي الدُّنْيَا. وَفِيه: طَهَارَة المَاء الْمُسْتَعْمل. قيل: فِيهِ حجَّة على الْحَنَفِيَّة فِي قَوْلهم بِنَجَاسَة المَاء الْمُسْتَعْمل. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، فَإِن الْمَذْهَب أَن المَاء الْمُسْتَعْمل طَاهِر حَتَّى يجوز شربه والتعجين بِهِ، غير أَنه لَيْسَ بِطهُور، فَلَا يجوز بِهِ الْوضُوء وَلَا الِاغْتِسَال، وَكَونه نجسا رِوَايَة عَن أبي حنيفَة وَلَيْسَ الْعَمَل عَلَيْهَا، على أَن حكم النَّجَاسَة فِي هَذِه الرِّوَايَة بِاعْتِبَار إِزَالَة الآثام النَّجِسَة عَن الْبدن المذنب فيتنجس حكما، بِخِلَاف فضل وضوء النَّبِي فَإِنَّهُ طَاهِر من بدن طَاهِر وَهُوَ طهُور أَيْضا أطهر من كل طَاهِر وَأطيب.

٨١ - (بابُ الصَّلَاةِ فِي السُّطُوحِ وَالمِنْبَرِ والخَشَب)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة فِي الْمِنْبَر. إِلَى آخِره، يَعْنِي: يجوز، وَلما كَانَ فِيهِ خلاف لبَعض التَّابِعين، وللمالكية فِي الْمَكَان الْمُرْتَفع لمن كَانَ إِمَامًا لم يُصَرح بِالْجَوَازِ وَعَدَمه، وَلَكِن مُرَاده الْجَوَاز. قَوْله: (فِي الْمِنْبَر) كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: على الْمِنْبَر، وَحَدِيث الْبَاب يدل عَلَيْهِ، وَلَكِن كلمة. فِي، تَجِيء بِمَعْنى: على، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} (طه: ١٧) والمنبر، بِكَسْر الْمِيم، من: نبرت الشَّيْء إِذا رفعته، وَالْقِيَاس فِيهِ فتح الْمِيم لِأَن الكسرة عَلامَة الْآلَة، وَلكنه سَمَاعي، و: (السطوح) جمع سطح الْبَيْت، و: (الْخشب) بِفتْحَتَيْنِ وبضمتين أَيْضا.

قالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ.

هُوَ البُخَارِيّ نَفسه.

وَلَم يَرَ الحَسَنُ بَأْسا أنْ يُصَلَّى عَلَى الْجَمَدِ والقَناطِرِ وإنْ جَرَي تَحْتَهَا بَوْلٌ أوْ فَوْقَهَا أوْ أمامَهَا إذَا كانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ.

مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة تَأتي فِي القناطر، وَالْمرَاد من الْحسن هُوَ: الْبَصْرِيّ.

قَوْله: (على الجمد) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمِيم وَفِي آخِره دَال مُهْملَة. قَالَ السفاقسي: الجمد، بِفَتْح الْجِيم وَضمّهَا: مَكَان صلب مُرْتَفع، وَزعم ابْن قرقول أَن فِي كتاب الْأصيلِيّ وَأبي ذَر بِفَتْح الْمِيم. قَالَ: وَالصَّوَاب سكونها، وَهُوَ المَاء الجليد من شدَّة الْبرد. وَفِي (الْمُحكم) : الجمد الثَّلج، وَفِي (الْمثنى) لِابْنِ عديس: الجمد، بِالْفَتْح والإسكان: الثَّلج. قَالَ أَبُو عبد اموسى بن جَعْفَر: الجمد، محرك الْمِيم: الثَّلج الَّذِي يسْقط من السَّمَاء. وَقَالَ غَيره: الجمد والجمد بِالْفَتْح وَالضَّم، والجمد بِضَمَّتَيْنِ: مَا ارْتَفع من الأَرْض وَفِي (ديوَان الْأَدَب) للفارابي: الجمد مَا جمد من المَاء، وَهُوَ نقيض الذوب، وَهُوَ مصدر فِي الأَصْل. وَفِي (الصِّحَاح) الجمد، بِالتَّحْرِيكِ جمع؛ جامد، مثل: خَادِم وخدم، والجمد والجمد مثل: عسر وعسر، مَكَان صلب مُرْتَفع، وَالْجمع: أجماد وجماد، مثل: رمح وأرماح ورماح. قَوْله: (والقناطر) جمع قنطرة. قَالَ ابْن سَيّده: هِيَ مَا ارْتَفع من الْبُنيان، وَقَالَ الْقَزاز: القنطرة مَعْرُوفَة عِنْد الْعَرَب. قَالَ الْجَوْهَرِي: هِيَ الجسر قلت: القنطرة مَا تبنى بِالْحِجَارَةِ، والجسر يعْمل من الْخشب أَو التُّرَاب.

قَوْله: (وَإِن جرى تحتهَا بَوْل) يتَعَلَّق بالقناطر فَقَط ظَاهرا، قَالَه الْكرْمَانِي. قلت: يجوز أَن يتَعَلَّق بالجمد، لِأَن الجمد فِي الأَصْل مَاء فبشدة الْبرد يجمد، وَرُبمَا يكون مَاء النَّهر يجمد فَيصير كالحجر حَتَّى يمشي عَلَيْهِ النَّاس، فَلَو صلى شخص عَلَيْهِ وَكَانَ تَحْتَهُ بَوْل أَو نَحوه وَلَا يضر صلَاته. فَإِن قلت: على هَذَا كَيفَ يرجع الضَّمِير فِي (تحتهَا) إِلَى الجمد وَهُوَ غير مؤنث؟ قلت: قد مر أَن الْجَوْهَرِي قَالَ: إِن الجمد جمع جامد، فَإِذا كَانَ جمعا يجوز إِعَادَة الضَّمِير الْمُؤَنَّث إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الضَّمِير فِي: (فَوْقهَا) و (أمامها) يجوز أَن يرجع إِلَى القناطر بِحَسب الظَّاهِر، وَإِلَى الجمد بِالِاعْتِبَارِ الْمَذْكُور، وَالْمرَاد من أمامها: قدامها. وَقَالَ بَعضهم: الجمد المَاء إِذا جمد، وَهُوَ مُنَاسِب لأثر ابْن عمر الْآتِي أَنه صلى على الثَّلج.

قلت: إِن لم يُقيد الثَّلج بِكَوْنِهِ متجمداً متلبداً لَا تجوز الصَّلَاة عَلَيْهِ فَلَا يكون مناسباً لَهُ، وَفِي (المحتبى) : سجد على الثَّلج أَو الْحَشِيش الْكثير أَو الْقطن المحلوج يجوز إِن اعْتمد حَتَّى اسْتَقَرَّتْ جَبهته وَوجد حجم الأَرْض وإِلَاّ فَلَا. وَفِي (فَتَاوَى أبي حَفْص) : لَا بَأْس أَن يُصَلِّي على الجمد وَالْبر وَالشعِير والتين والذرة، وَلَا يجوز على الْأرز لِأَنَّهُ لَا يسْتَمْسك، وَلَا يجوز على الثَّلج المتجافي والحشيش وَمَا أشبهه حَتَّى يلبده فيجمد حجمه. قَوْله: (إِذا كَانَ بَينهمَا ستْرَة) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: بَين القناطر وَالْبَوْل، أَو؛ بَين الْمُصَلِّي وَالْبَوْل، وَهَذَا التَّقْيِيد مُخْتَصّ بِلَفْظ: (بأمامها) دون (أخويها) . قلت: الْمُصَلِّي غير مَذْكُور إلَاّ أَن يُقَال: إِن قَوْله: أَن يُصَلِّي، يدل على الْمصلى، وَالْمرَاد من الستْرَة أَن يكون الْمَانِع بَينه وَبَين النَّجَاسَة إِذا كَانَت قدامه، وَلم يعين حد ذَلِك، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد مِنْهُ أَن لَا يلاقي النَّجَاسَة سَوَاء كَانَت قريبَة مِنْهُ أَو بعيدَة، وَقَالَ ابْن حبيب، من الْمَالِكِيَّة. إِن تعمد الصَّلَاة إِلَى نَجَاسَة وَهِي أَمَامه أعَاد إلَاّ أَن تكون بعيدَة

<<  <  ج: ص:  >  >>