من الْبَادِيَة. قَوْله: (أذكر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول والهمزة فِيهِ للاستفهام، وَفِي رِوَايَة الطفَاوِي الَّتِي مَضَت فِي الْبيُوع: اذْكروا وَفِي رِوَايَة أبي خَالِد: لَا نَدْرِي يذكرُونَ، وَزَاد أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَته: أم لم يذكرُوا أفنأكل مِنْهَا؟ قَوْله: (وَكَانُوا) ، أَي: الْقَوْم السائلون.
وَقد اسْتدلَّ قوم بِهَذَا الحَدِيث على أَن التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة لَيست بواجبة، إِذْ لَو كَانَت وَاجِبَة لما أَمرهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِأَكْل ذَبِيحَة الْأَعْرَاب أهل الْبَادِيَة. وَأجِيب: بِأَن هَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن مَالِكًا زَاد فِي آخِره. وَذَلِكَ فِي أول الْإِسْلَام، وَيُمكن أَنهم لم يَكُونُوا جاهلين بِالتَّسْمِيَةِ.
{تَابَعَهُ عَلِيٌّ عَنْ الدَّراوَرْدِيِّ}
يَعْنِي: تَابع أُسَامَة بن حَفْص عَن هِشَام عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَالرَّاء وَالْوَاو وَسُكُون الرَّاء وبالدال الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى دراورد قَرْيَة من قرى خُرَاسَان وَمرَاده من مُتَابَعَته إِيَّاه أَنه رَوَاهُ عَن هِشَام بن عُرْوَة مَرْفُوعا، كَمَا رَوَاهُ أُسَامَة بن حَفْص، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق يَعْقُوب بن حميد عَن الدَّرَاورْدِي.
{وَتَابَعَهُ أبُو خَالِدٍ وَالطُّفاوِيُّ}
أَي: وتابع أُسَامَة بن حَفْص أَيْضا أَبُو خَالِد سُلَيْمَان بن حَيَّان الْأَحْمَر فِي رِوَايَته عَن هِشَام بن عُرْوَة مَرْفُوعا وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة البُخَارِيّ فِي كتاب التَّوْحِيد مُتَّصِلا عَن يُوسُف بن مُوسَى عَنهُ قَوْله: والطفاوي أَي: وَتَابعه أَيْضا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الطفَاوِي بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْفَاء وَالْوَاو نِسْبَة إِلَى طفاوة بنت حزم بن زِيَاد بن ثَعْلَب بن حلوان بن عمرَان بن ألحاف بن قضاعة، وَوصل مُتَابَعَته البُخَارِيّ فِي كتاب الْبيُوع عَن أَحْمد بن الْمِقْدَام الْعجلِيّ عَنهُ وَسَماهُ هُنَاكَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، وَزَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ أَنه تَابعه أَيْضا عبد الرَّحِيم بن سُلَيْمَان وَيُونُس بن بكير ومحاضر وَمَالك بن أنس، وَزَاد الدَّارَقُطْنِيّ: تَابعه أَيْضا النَّضر بن شُمَيْل وَعمر بن مجمع، وَقَالَ فِي (غرائب الْمُوَطَّأ) تفرد بِهِ عبد الْوَهَّاب عَن مَالك مُتَّصِلا وَغَيره يرويهِ عَن مَالك عَن هِشَام عَن أَبِيه مُرْسلا وادّعى أَبُو عمر أَنه لم يخْتَلف عَن مَالك فِي إرْسَاله، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (علله) وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة وَحَمَّاد بن زيد وَابْن عُيَيْنَة وَيحيى الْقطَّان ومفضل بن فضَالة عَن هِشَام عَن أَبِيه مُرْسلا لَيْسَ فِيهِ عَن عَائِشَة، والمرسل أشبه بِالصَّوَابِ وَله طَرِيق آخر مُرْسل أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن الشّعبِيّ: أَنِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي غَزْوَة تَبُوك بمحنية، فَقيل: إِن هَذَا طَعَام يصنعه الْمَجُوس، فَقَالَ: اذْكروا اسْم الله عَلَيْهِ وكلوه.
٢٢ - (بَابُ: {ذَبَائِحِ أهْلِ الكِتابِ وَشُحُومِها مِنْ أهْلِ الحَرْبِ وَغَيْرِهِمْ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم ذَبَائِح أهل الْكتاب. قَوْله: وشحومها. أَي: شحوم أهل الْكتاب قَوْله: من أهل الْحَرْب كلمة من يجوز أَن تكون بَيَانِيَّة، وَيجوز أَن تكون للتَّبْعِيض أَي: من أهل الْحَرْب الَّذين لَا يُعْطون الْجِزْيَة. قَوْله: (وَغَيرهم) ، أَي: وَغير أهل الْحَرْب من الَّذين يُعْطون الْجِزْيَة، وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى جَوَاز ذَبَائِح أهل الْكتاب وَجَوَاز أكل شحومهم، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَعَن مَالك وَأحمد: تَحْرِيم مَا حرم أهل الْكتاب كالشحوم.
{وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْيَوْمُ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتِ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}
وَقَوله: بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: الذَّبَائِح، أَي: وَبَيَان قَوْله تَعَالَى: {الْيَوْم أحل لكم الطَّيِّبَات} وَهَذَا الْمِقْدَار فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره إِلَى قَوْله: {حل لكم} وَأورد هَذِه الْآيَة فِي معرض الِاسْتِدْلَال على جَوَاز أكل ذَبَائِح أهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أهل الْحَرْب وَغَيرهم لِأَن المُرَاد من قَوْله عز وَجل: {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب} ذَبَائِحهم، وَبِه قَالَ ابْن عَبَّاس وَأَبُو أُمَامَة وَمُجاهد وَسَعِيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَالْحسن وَمَكْحُول وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالسُّديّ، وَمُقَاتِل بن حَيَّان، وَهَذَا أَمر مجمع عَلَيْهِ بَين الْعلمَاء أَن ذَبَائِحهم حَلَال للْمُسلمين لأَنهم يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيم الذّبْح لغير الله تَعَالَى وَلَا يذكرُونَ على ذَبَائِحهم إِلَّا اسْم الله وَإِن اعتقدوا فِيهِ مَا هُوَ منزه عَنهُ، وَلَا تُبَاح ذَبَائِح من عداهم من أهل الشّرك وَمن شابههم لأَنهم