وَطيب نَفسه مَعَ ذَلِك بالإستئذان لبَيَان الحكم وَأَن السّنة تَقْدِيم الْأَيْمن، وَلَو كَانَ مفضولاً بِالنِّسْبَةِ إِلَى من على الْيَسَار. فَإِن قلت: قد يُعَارض حَدِيث سهل هَذَا وَحَدِيث أنس الَّذِي مضى عَن قريب حَدِيث سهل بن أبي خَيْثَمَة الْآتِي فِي الْقسَامَة: كَبركبر، وَتقدم فِي الطَّهَارَة حَدِيث ابْن عمر فِي الْأَمر بمناولة السِّوَاك الْأَكْبَر، وأخص من هَذَا حَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي أخرجه أَبُو يعلى بِسَنَد قوي قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سقِِي قَالَ: ابدأوا بالأكبر. قلت: الْجَواب فِي هَذَا أَنه مَحْمُول على الْحَالة الَّتِي يَجْلِسُونَ فِيهَا متساويين، إِمَّا بَين يَدي الْكَبِير أَو عَن يسَاره كلهم أَو خَلفه أَو حَيْثُ لَا يكون فيهم، فيخص هَذِه الصُّورَة من عُمُوم تَقْدِيم الْأَيْمن، أَو يخص من عُمُوم هَذَا الْأَثر بالبداءة بالكبير مَا إِذا جلس بعض عَن يَمِين الرئيس وَبَعض عَن يسَاره، فَفِي هَذِه الصُّورَة يقدم الصَّغِير على الْكَبِير والمفضول على الْفَاضِل، وَيظْهر من هَذَا أَن الْأَيْمن مَا امتاز بِمُجَرَّد الْجُلُوس فِي الْجِهَة الْيُمْنَى، بل لحُصُول كَونهَا يَمِين الرئيس، فالفضل إِنَّمَا فاض عَلَيْهِ من الْأَفْضَل. قَوْله أتأذن لي؟ ظَاهره أَنه لَو أذن لَهُ لأعطاهم، وَيُؤْخَذ من ذَلِك جَوَاز الإيثار بِمثل ذَلِك. قيل: إِنَّه مُشكل على مَا اشْتهر من أَنه لَا إِيثَار بِالْقربِ، وَإِنَّمَا الإيثار الْمَحْمُود مَا كَانَ من حظوظ النَّفس دون الطَّاعَات، وَقد اقْتصر القَاضِي فِي النَّقْل عَن الْعلمَاء على كَرَاهَة الإيثار بِالْقربِ بِخِلَاف مَا يتوهمه كثير من النَّاس أَنه يحرم الإيثار بِالْقربِ. قَوْله: (فتله) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد اللَّام أَي: وَضعه، وَقَالَ الْخطابِيّ: وَضعه بعنف، وَأَصله من الرَّمْي على التل وَهُوَ الْمَكَان العالي الْمُرْتَفع، ثمَّ اسْتعْمل فِي كل شَيْء يرْمى بِهِ وَفِي كل إِلْقَاء.
٢٠ - (بابُ الكَرْعِ فِي الحَوْضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الكرع بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون الرَّاء وَهُوَ الشّرْب من الْحَوْض أَو من النَّهر بالفم، وَهُوَ من كرع يكرع من بَاب فتح يفتح، وَقد جَاءَ بِالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي من بَاب علم يعلم، وَقَالَ ابْن سَيّده: كرع تنَاول بِفِيهِ من غير إِنَاء، وَقيل: هُوَ أَن يدْخل النَّهر فيشرب، وَقيل: هُوَ أَن يصوب رَأسه فِي المَاء وَإِن لم يشرب، وَفِي (الْجَامِع) : كل خائض فِي المَاء فَهُوَ كارع شرب أَو لم يشرب، وَفِي (التَّهْذِيب) : كرع فِي الْإِنَاء إِذا أمال نَحوه عينه فَشرب مِنْهُ.
٥٦٢١ - حدّثنايَحياى بنُ صالِحِ حدَّثنا فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمانَ عنْ سَعِيدِ بنِ الحارِثِ عنْ جابِرِ ابنِ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَخَلَ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَار ومَعَه صاحِبٌ لهُ، فَسَلَّمَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاحِبُهُ، فَرَدَّ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رسولَ الله {بِأبي أنْتَ وأُمِّي، وهْيَ ساعَةٌ حارَّةٌ، وهْوَ يُحَوِّلُ فِي حائِطٍ لَهُ يَعْنِي المَاء فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن كانَ عندِكَ مَاء بَات فِي شَنَّةٍ وَإِلَّا كرعنا وَالرجل يحول الماءَ فِي حَائِط. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رسولَ الله} عِنْدِي ماءٌ باتَ فِي شَنَّةٍ، فانْطَلَقَ إِلَى العَرِيشِ فَسكَبَ فِي قَدَحٍ مَاء ثُمَّ حَلَبَ عليْه مِنْ داجِنٍ لهُ فَشَرِبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ أعادَ فَشَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِي جاءَ مَعَهُ. (انْظُر الحَدِيث: ٥٦٤٣) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وإلَاّ كرعنا) وَيحيى بن صَالح الوحاظي أَبُو زَكَرِيَّا، وَيُقَال: أَبُو صَالح الشَّامي الدِّمَشْقِي، وَيُقَال: الْحِمصِي وَهُوَ من جملَة الْأَئِمَّة الْحَنَفِيَّة وَأَصْحَاب الإِمَام أبي حنيفَة وَكَانَ عديل مُحَمَّد بن الْحسن إِلَى مَكَّة وَمَات سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب شرب اللَّبن بِالْمَاءِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَشْرِبَة عَن عُثْمَان ابْن أبي شيبَة. وَأخرجه ابْن ماجة فِيهِ عَن أَحْمد بن مَنْصُور الزيَادي.
قَوْله: (فَرد الرجل) أَي: السَّلَام. قَوْله (بِأبي أَنْت وَأمي) أَي: أَنْت مفدًى بِأبي وَأمي. قَوْله: (وَالرجل يحول المَاء) إِنَّمَا كَرَّرَه لِأَنَّهُمَا حالان بِاعْتِبَار فعلين مُخْتَلفين، والتحويل هُوَ النَّقْل من قَعْر الْبِئْر إِلَى ظَاهره، أَو إِجْرَاء المَاء من جَانب إِلَى جَانب فِي بستانه.
٢١ - (بابُ خِدْمَةِ الصِّغارِ الكِبارَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان خدمَة الصغار الْكِبَار.
٥٦٢٢ - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا مُعْتَمِرٌ عنْ أبيهِ وَقَالَ: سَمِعْتُ أنَساً رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنْتُ قَائِما عَلى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute