بذلك. قَوْله: (قَالَ رجل) ، قَالَ الْكرْمَانِي: ظَاهر سِيَاق هَذَا الْكَلَام يقْضِي أَن يكون المُرَاد بِهِ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَأَنَّهُ يُرِيد عُثْمَان، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون أَبَا بكر أَو عمر أَو عُثْمَان، وَفِيه تَأمل، لَا يخفى. وَقَالَ النَّوَوِيّ والقرطبي: يَعْنِي عمر بن الْخطاب، وَحكى الْحميدِي أَنه وَقع فِي البُخَارِيّ فِي رِوَايَة أبي رَجَاء عَن عمرَان، قَالَ البُخَارِيّ: يُقَال: إِنَّه عمر، أَي الرجل الَّذِي عناه عمرَان بن حُصَيْن قيل: الأولى أَن يُفَسر بهَا عمر، فَإِنَّهُ أول من نهى عَنْهَا، وَأما من نهي بعده فِي ذَلِك فَهُوَ تَابع لَهُ. وَقَالَ عِيَاض. وَغَيره جازمين بِأَن الْمُتْعَة الَّتِي نهى عَنْهَا عمر وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، هِيَ فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة، لَا الْعمرَة الَّتِي يحجّ بعْدهَا. قلت: يرد عَلَيْهِم مَا جَاءَ فِي رِوَايَة مُسلم فِي بعض طرقه التَّصْرِيح بِكَوْنِهَا مُتْعَة الْحَج، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَفِي رِوَايَة لَهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعمر بعض أَهله فِي الْعشْر، وَفِي رِوَايَة لَهُ: جمع بَين حج وَعمرَة، وَمرَاده التَّمَتُّع الْمَذْكُور، وَهُوَ الْجمع بَينهمَا فِي عَام وَاحِد.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وُقُوع الِاجْتِهَاد فِي الْأَحْكَام بَين الصَّحَابَة، وإنكار بعض الْمُجْتَهدين على بعض بِالنَّصِّ.
٧٣ - (بابُ تَفْسِيرِ قَوْلِ الله تعَالى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أهْلُهُ حاضِرِي المَسْجِدِ الْحَرَامُ} (الْبَقَرَة: ٦٩١) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الله عز وَجل: {ذَلِك لمن لم يكن. .} (الْبَقَرَة: ٦٩١) . إِلَى آخِره. قَوْله: (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى التَّمَتُّع لِأَنَّهُ سيق فِيهَا، وَهُوَ قَوْله: {فَإِذا أمنتم فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهدى فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم تِلْكَ عشرَة كَامِلَة ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام، وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَن الله شَدِيد الْعقَاب} (الْبَقَرَة: ٦٩١) . قَوْله: {فَإِذا أمنتم} (الْبَقَرَة: ٦٩١) . أَي: إِذا تمكنتم من أَدَاء الْمَنَاسِك، فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ أَي: فَمن كَانَ مِنْكُم مُتَمَتِّعا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج، وَهُوَ يَشْمَل من أحرم بهما أَو أحرم بِالْعُمْرَةِ أَولا، فَلَمَّا فرغ مِنْهَا أحرم بِالْحَجِّ، وَهَذَا هوالتمتع الْخَاص. والتمتع الْعَام يَشْمَل الْقسمَيْنِ. قَوْله: {فَمَا اسْتَيْسَرَ} (الْبَقَرَة: ٦٩١) . أَي: فَعَلَيهِ مَا قدر عَلَيْهِ من الْهَدْي يذبحه، وَأقله شَاة. قَوْله: {فَمن لم يجد} أَي: هَديا: {فَعَلَيهِ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج} أَي: فِي أَيَّام الْمَنَاسِك. قَوْله: {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} أَي: وَعَلِيهِ صِيَام سَبْعَة أَيَّام إِذا رجعتم إِلَى أوطانكم وَقيل: إِذا فَرَغْتُمْ عَن مَنَاسِككُم. قَوْله: {تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} تَأْكِيد، كَمَا تَقول: رَأَيْت بعيني وَسمعت بأذني وكتبت بيَدي. قَوْله: {ذَلِك} أَي: التَّمَتُّع {لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} وَأَصله: حاضرين، فَلَمَّا أضيف إِلَى الْمَسْجِد سَقَطت النُّون للإضافة، وَسَقَطت الْيَاء فِي الْوَصْل لسكونها وَسُكُون اللَّام فِي الْمَسْجِد.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي: {حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} من هم؟ فَذهب طَاوُوس وَمُجاهد إِلَى أَنهم أهل الْحرم، وَبِه قَالَ دَاوُد، وَقَالَت طَائِفَة: من أهل مَكَّة بِعَينهَا، رُوِيَ هَذَا عَن نَافِع وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج، وَهُوَ قَول مَالك: هم أهل مَكَّة ذِي طوى وَشبههَا، وَأما أهل منى وعرفة والمناهل مثل: قديد وَمر الظهْرَان، وَعُسْفَان فَعَلَيْهِم الدَّم. وَذهب أَبُو حنيفَة إِلَى: أَنهم أهل الْمَوَاقِيت، فَمن دونهم إِلَى مَكَّة، وَهُوَ قَول عَطاء وَمَكْحُول، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي بالعراق، وَقَالَ الشَّافِعِي أَيْضا، وَأحمد: من كَانَ من الْحرم على مَسَافَة لَا تقصر فِي مثلهَا الصَّلَاة فَهُوَ من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام، وَعند الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك وَدَاوُد: أَن الْمَكِّيّ لَا يكره لَهُ التَّمَتُّع وَلَا الْقرَان، وَإِن تمتّع لم يلْزمه دم وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره لَهُ التَّمَتُّع وَالْقرَان، فَإِن تمتّع أَو قرن فَعَلَيهِ دم جبرا، وهما فِي حق الأفقي مستحبان، وَيلْزمهُ الدَّم شكرا.
وَقَالَ أبُو كامِلٍ فُضَيْلُ بنُ حُسَيْنٍ البَصْرِيُّ قَالَ حدَّثنا أبُو مَعْشَرٍ حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ غِياثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ فَقَالَ أهَلَّ المُهَاجِرُونَ وَالأنْصَارُ وَأزْوَاجُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَأهْلَلْنَا فلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْعَلُوا إهْلَالَكُمْ بالحَجِّ عُمْرَةً إلَاّ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ. طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ونَسَكْنَا مَناسِكَ وأتَيْنَا النِّسَاءَ ولَبِسْنَا الثِّيَابَ وقَالَ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فإنَّهُ لَا يَحِلُ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ ثُمَّ أمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أنْ نُهِلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute