للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَدِيث حسن غَرِيب صَحِيح من هَذَا الْوَجْه.

قَوْله: (رحم الله) رجلا: يحْتَمل الدُّعَاء وَيحْتَمل الْخَبَر. قَالَ الدَّاودِيّ: وَالظَّاهِر أَنه دُعَاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ظَاهره الْإِخْبَار عَن حَال رجل كَانَ سَمحا. لَكِن قرينَة الِاسْتِقْبَال الْمُسْتَفَاد من إِذا تَجْعَلهُ دُعَاء، وَتَقْدِيره: رحم الله رجلا يكون سَمحا، وَقد يُسْتَفَاد الْعُمُوم من تَقْيِيده بِالشّرطِ، والسمح، بِسُكُون الْمِيم: الْجواد والمساهل والموافق على مَا طلب. قَوْله: (وَإِذا اقْتضى) أَي: إِذا طلب قَضَاء حَقه بسهولة. وَفِي رِوَايَة حَكَاهَا ابْن التِّين: (وَإِذا قضى) . أَي: إِذا أعظى الَّذِي عَلَيْهِ بسهولة بِغَيْر مطل) .

وروى التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (إِن الله يحب سمح البيع سمح الشِّرَاء سمح الْقَضَاء) . وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث عُثْمَان رَفعه: (أَدخل الله الْجنَّة رجلا كَانَ سهلاً مُشْتَريا وبائعا وقاضيا ومقتضيا) . وروى أَحْمد من حَدِيث عبد الله بن عمر وَنَحْوه. وَفِي الحَدِيث الحض على الْمُسَامحَة وَحسن الْمُعَامَلَة وَاسْتِعْمَال محَاسِن الْأَخْلَاق ومكارمها وَترك المشاحة فِي البيع، وَذَلِكَ سَبَب لوُجُود الْبركَة، لِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا يحض أمته إلَاّ على مَا فِيهِ النَّفْع لَهُم دينا وَدُنْيا. وَأما فَضله فِي الْآخِرَة فقد دَعَا، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالرَّحْمَةِ والغفران لفَاعِله، فَمن أحب أَن تناله هَذِه الدعْوَة فليقتد بِهِ وليعمل بِهِ.

وَفِيه: ترك التَّضْيِيق على النَّاس فِي الْمُطَالبَة وَأخذ الْعَفو مِنْهُم. وَقَالَ ابْن حبيب: تسْتَحب السهولة فِي البيع وَالشِّرَاء وَلَيْسَ هِيَ تِلْكَ الْمُطَالبَة فِيهِ، إِنَّمَا هِيَ ترك المضاجرة وَنَحْوهَا.

٧١ - (بابُ منْ أنْظَرَ مُوسِرا)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من أنظر مُوسِرًا، وَقد اخْتلفُوا فِي حد الْمُوسر، فَقيل: من عِنْده مُؤْنَته وَمؤنَة من تلْزمهُ نَفَقَته. وَقَالَ الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَأحمد وَإِسْحَاق: من عِنْده خَمْسُونَ درهما أَو قيمتهَا من الذَّهَب، فَهُوَ مُوسر. وَقَالَ الشَّافِعِي: قد يكون الشَّخْص بالدرهم غَنِيا يكسبه، وَقد يكون فَقِيرا بِالْألف مَعَ ضعفه فِي نَفسه وَكَثْرَة عِيَاله. وَقيل: الْمُوسر من يملك نِصَاب الزَّكَاة، وَقيل: من لَا يحل لَهُ الزَّكَاة. وَقيل: من يجد فَاضلا عَن ثَوْبه ومسكنه وخادمه وَدينه وقوت من يمونه، وَعند أَصْحَابنَا، على مَا ذكره صَاحب (الْمَبْسُوط) و (الْمُحِيط) : الْغَنِيّ على ثَلَاث مَرَاتِب: الْمرتبَة الأولى: الْغَنِيّ الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ وجوب الزَّكَاة. الْمرتبَة الثَّانِيَة: الْغَنِيّ الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ وجوب صَدَقَة الْفطر وَالْأُضْحِيَّة وحرمان الزَّكَاة، وَهُوَ أَن يملك مَا يفضل عَن حَوَائِجه الْأَصْلِيَّة مَا يبلغ قيمَة مِائَتي دِرْهَم، مثل دور لَا يسكنهَا وحوانيت يؤجرها وَنَحْو ذَلِك. والمرتبة الثَّالِثَة: فِي الْغنى غنى حُرْمَة السُّؤَال، قيل: مَا قِيمَته خَمْسُونَ درهما. وَقَالَ عَامَّة الْعلمَاء: إِن من ملك قوت يَوْمه وَمَا يستر بِهِ عَوْرَته يحرم عَلَيْهِ السُّؤَال، وَكَذَا الْفَقِير الْقوي المكتسب يحرم عَلَيْهِ السُّؤَال. قلت: هَذَا كُله فِي حق من يجوز لَهُ السُّؤَال وَأخذ الصَّدَقَة، وَمن لَا يجوز، وَأما هَهُنَا، أَعنِي فِي إنظار الْمُوسر، فالاعتماد على أَن الْمُوسر والمعسر يرجعان إِلَى الْعرف، فَمن كَانَ حَاله بِالنِّسْبَةِ إِلَى مثله يعد يسارا فَهُوَ مُوسر، وَكَذَا عَكسه فَافْهَم.

٧٧٠٢ - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حَدثنَا زُهَيْرٌ قَالَ حدَّثنا مَنْصُورً أنَّ رِبْعِيَّ بنَ حِرَاشٍ قَالَ حدَّثَهُ أنَّ حُذَيْفَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ حدَّثَهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلَقَّتِ المَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ قالُوا أعَمِلْتَ مِنَ الخَيْرِ شَيْئا قَالَ كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أنْ يُنْظِرُوا ويَتَجَاوَزُوا عَنِ المُوسِرِ قَالَ قَالَ فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ. مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كنت آمُر فتياني أَن ينْظرُوا ويتجاوزوا عَن الْمُوسر) وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي عَن الْمُوسر، وَهُوَ يُطَابق التَّرْجَمَة، وَوَقع فِي رِوَايَة البَاقِينَ: (أَن ينْظرُوا الْمُعسر، ويتجاوزوا عَن الْمُوسر، وَكَذَا أخرجه مُسلم عَن أَحْمد بن يُونُس شيخ البُخَارِيّ الْمَذْكُور، فعلى هَذَا الحَدِيث لَا يُطَابق التَّرْجَمَة. وَقَالَ بَعضهم: وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَب فِي إِيرَاد التَّعَالِيق الْآتِيَة، لِأَن فِيهَا مَا يُطَابق التَّرْجَمَة. قلت: الأَصْل هُوَ الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَحَدِيث الْبَاب

<<  <  ج: ص:  >  >>