ذكر مُحَمَّد، وَإِنَّمَا فِيهِ حدَّثنا النُّفَيْلِي وَهُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن نفَيْل البُخَارِيّ، وَالصَّوَاب ثُبُوته، وَزعم ابْن السكن أَن مُحَمَّدًا هُوَ البُخَارِيّ فَحَذفهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك، ومسكين أَخُو الْفَقِير بن بكير مصغر بكر أَبُو عبد الرَّحْمَن الْحَرَّانِي، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء وبالنون نِسْبَة إِلَى حران مَدِينَة بالشرق وَالْيَوْم خرابة، مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلَاّ هَذَا ومروان الْأَصْفَر، وَيُقَال لَهُ الْأَحْمَر أَيْضا وَقد تقدم فِي الْحَج وَلَيْسَ لَهُ إلَاّ هَذَا الحَدِيث وَآخر فِي الْحَج.
قَوْله: (عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَهُوَ ابْن عمر، أبهم أَولا ثمَّ أوضح ثَانِيًا بِأَنَّهُ عبد الله بن عمر، قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا التَّوْضِيح من الرَّاوِي عَن مَرْوَان، أَو تذكر بعد نسيانه، وَقَالَ بَعضهم: لم يَتَّضِح لي من هُوَ الْجَازِم بِأَنَّهُ ابْن عمر. فَإِن الرِّوَايَة الْآتِيَة بعد هَذِه بِلَفْظ: أَحْسبهُ ابْن عمر. قلت: لَا يحْتَاج إِلَى إِيضَاح الْجَازِم إِيَّاه لِأَنَّهُ أحد رَوَاهُ الحَدِيث على كل حَال. وهم ثِقَات، وَقد جزم فِي هَذِه الرِّوَايَة بِأَنَّهُ ابْن عمر. وَقَوله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: أَحْسبهُ يحْتَمل أَن يكون قبل جزمه بِأَنَّهُ ابْن عمر فَلَمَّا تحقق ابْن عمر ذكره بِالْجَزْمِ. وَقَالَ ابْن التِّين إِن ثَبت هَذَا عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَمَعْنَى النّسخ هُنَا الْعَفو والوضع. قَوْله: (أَنَّهَا نسخت) ، ويروى أَنه قَالَ أَنَّهَا نسخت، أَي: أَن قَوْله: {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} وَقَوله: (وَإِن تبدوا) إِلَى آخِره بَيَان لما قبله، وَهُوَ أَن الْمَنْسُوخ هُوَ قَوْله: {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} فَإِن قلت: روى أَحْمد من طَرِيق مُجَاهِد. قَالَ: دخلت على ابْن عَبَّاس. فَقلت: عبد الله بن عمر، فَقَرَأَ {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} فَبكى. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن هَذِه الْآيَة لما نزلت غمت أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غما شَدِيدا. وَقَالُوا: يَا رَسُول الله! هلكنا، فَإِن قُلُوبنَا لَيست بِأَيْدِينَا فَقَالَ: قُولُوا سمعنَا وأطعنا. فَقَالُوا: فنسختها هَذِه الْآيَة: {لَا يُكَلف الله نفسا إلَاّ وسعهَا} انْتهى. فَهَذَا يدل على أَن ابْن عمر لم يطلع على كَون هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة. قلت: أُجِيب بِأَنَّهُ يُمكن أَن ابْن عمر لم يكن عرف الْقِصَّة أَولا. ثمَّ لما تحقق ذَلِك جزم بالنسخ، فَيكون مُرْسل صَحَابِيّ.
٥٥ - (بابٌ: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} (الْبَقَرَة: ٢٨٤)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {آمن الرَّسُول بِمَا أنزل إِلَيْهِ من ربه} إِلَى آخر السُّورَة. قَوْله: (آمن الرَّسُول بِمَا أنزل إِلَيْهِ من ربه) ، إِخْبَار من الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك (فَإِن قلت) قَالَ: آمن الرَّسُول بِمَا أنزل إِلَيْهِ، وَلم يقل: آمن الرَّسُول بِاللَّه، وَقَالَ: {والمؤمنون كل آمن بِاللَّه} (قلت) : الْكفْر مُمْتَنع فِي حق الرَّسُول وَغير مُمْتَنع فِي حق الْمُؤمنِينَ. قَوْله: (والمؤمنون) ، عطف على الرَّسُول. قَوْله: (كل آمن بِاللَّه) إِخْبَار عَن الْجَمِيع، وَالتَّقْدِير: والمؤمنون كلهم آمنُوا بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتب الْمنزلَة، وَإِن كَانَ بَعضهم نسخ شَرِيعَة بعض بِإِذن الله تَعَالَى. قَوْله: {لَا نفرق} أَي: تَقولُونَ لَا نفرق، وَعَن أبي عمر: لَا يفرق، بِالْيَاءِ، على أَن الْفِعْل لكل وَاحِد، وَقَرَأَ عبد الله، لَا يفرقون. قَوْله: {وَقَالُوا سمعنَا} أَي: أجبنا قَوْله: {غفرانك} مَنْصُوب بإضمار فعله فَقَالَ: غفرانك لَا كُفْرَانك. أَي: نستغفرك وَلَا نكفرك. قَوْله: (نفسا إِلَّا وسعهَا) الوسع مَا يسع الْإِنْسَان وَلَا يضيق عَلَيْهِ، وَالنَّفس يعم الْملك وَالْجِنّ وَالْإِنْس، قَالَه ابْن الْحصار. قَوْله: (لَهَا مَا كسبت) خص الْخَيْر بِالْكَسْبِ. وَالشَّر بالاكتساب لِأَن فِي الِاكْتِسَاب اعتمالاً وقصدا وجهدا. قَوْله: (إِن نَسِينَا) المُرَاد بِالنِّسْيَانِ الَّذِي هُوَ السَّهْو. وَقيل: التّرْك والإغفال. قَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل إِذا نسوا شَيْئا مِمَّا أَمرهم الله بِهِ أَو أخطأوا أعجلت لَهُم الْعقُوبَة فَيحرم عَلَيْهِم شَيْء من الْمطعم وَالْمشْرَب على حسب ذَلِك الذَّنب، فَأمر الله تَعَالَى نبيه وَالْمُؤمنِينَ أَن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك. قَوْله: (وأخطأنا) قيل: من الْقَصْد والعمد. وَقيل: من الْخَطَأ الَّذِي هُوَ الْجَهْل والسهو، وَقَالَ ابْن زيد: إِن نَسِينَا شَيْئا مِمَّا افترضته علينا. أَو أَخْطَأنَا شَيْئا مِمَّا حرمته علينا. (فَإِن قلت) : النسْيَان وَالْخَطَأ متجاوز عَنْهُمَا. فَمَا فَائِدَة الدُّعَاء بترك الْمُؤَاخَذَة بهما؟ (قلت) : المُرَاد استدامته والثبات عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله: {اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} (الْفَاتِحَة: ٦) وَتَفْسِير: الإصر. يَأْتِي الْآن. قَوْله: (على الَّذين من قبلنَا) وهم الْيَهُود، وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يشق، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى فرض عَلَيْهِم خمسين صَلَاة وَأمره بأدائهم ربع أَمْوَالهم فِي الزَّكَاة وَمن أصَاب ثَوْبه نَجَاسَة قطعهَا وَمن أصَاب مِنْهُم ذَنبا أصبح وذنبه مَكْتُوب على بَابه وَنَحْوه من الأثقال والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم. قَوْله: {لَا تحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ} فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute