للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْفَاء: الْمُزنِيّ من أَصْحَاب الشَّجَرَة، قَالَ: (كنت أرفع أَغْصَانهَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، رُوِيَ لَهُ ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا للْبُخَارِيّ مِنْهَا خَمْسَة، وَهُوَ أول من دخل تستر وَقت الْفَتْح، مَاتَ سنة سِتِّينَ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون، وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لَا يغلبنكم الْأَعْرَاب) ، قَالَ الْأَزْهَرِي: مَعْنَاهُ: لَا يَغُرنكُمْ فعلهم هَذَا عَن صَلَاتكُمْ فتؤخروها، وَلَكِن صلوها إِذا كَانَ وَقتهَا، وَالْعشَاء أول ظلام اللَّيْل، وَذَلِكَ من حِين يكون غيبوبة الشَّفق. فَلَو قيل فِي الْمغرب: عشَاء، لَأَدَّى إِلَى اللّبْس بالعشاء الْآخِرَة، وَالْكَرَاهَة فِي ذَلِك أَن لَا تتبع الْأَعْرَاب فِي هَذِه التَّسْمِيَة. وَقيل: إِن الْأَعْرَاب يسمونها: الْعَتَمَة لكَوْنهم يؤخرون الْحَلب إِلَى شدَّة الظلام. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لِئَلَّا يعدل بهَا عَمَّا سَمَّاهَا الله تَعَالَى، فَهُوَ إرشاد إِلَى مَا هُوَ الأولى لَا على التَّحْرِيم وَلَا على أَنه لَا يجوز. أَلَا ترَاهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قَالَ: (وَلَو يعلمُونَ مَا فِي الْعَتَمَة وَالصُّبْح) . وَقد أَبَاحَ تَسْمِيَتهَا بذلك أَبُو بكر وَابْن عَبَّاس فِيمَا ذكره ابْن أبي شيبَة. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: يُقَال: غَلبه على كَذَا: غصبه مِنْهُ، أَو أَخذه مِنْهُ قهرا، وَالْمعْنَى: لَا تتعرضوا لما هُوَ من عَادَتهم من تَسْمِيَة الْمغرب بالعشاء، وَالْعشَاء بالعتمة، فيغصب مِنْكُم الْأَعْرَاب اسْم الْعشَاء الَّتِي سَمَّاهَا الله تَعَالَى بهَا، قَالَ: فالنهي على الظَّاهِر للأعراب، وعَلى الْحَقِيقَة لَهُم. وَقَالَ غَيره: معنى الْغَلَبَة أَنكُمْ تسمونها إسما وهم يسمونها إسما، فَإِن سميتموها بِالِاسْمِ الَّذِي يسمونها بِهِ وافقتموهم، وَإِذا وَافق الْخصم خَصمه صَار كَأَنَّهُ انْقَطع لَهُ حَتَّى غَلبه، وَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير غصب وَلَا أَخذ. قلت: لما فسر الطَّيِّبِيّ الْغَلَبَة: بِالْغَصْبِ، يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّقْدِير ليتضح الْمَعْنى، وَقَالَ التوربشتي شَارِح (المصابيح) : الْمَعْنى: لَا تطلقوا هَذَا الِاسْم على مَا هُوَ متداول بَينهم فيغلب مصطلحهم على الِاسْم الَّذِي شرعته لكم. قَوْله: (الْأَعْرَاب) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْأَعْرَاب من كَانَ من أهل الْبَادِيَة وَإِن لم يكن عَرَبيا، والعربي من ينْسب إِلَى الْعَرَب وَلَو لم يسكن الْبَادِيَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْأَعْرَاب ساكنو الْبَادِيَة من الْعَرَب الَّذين لَا يُقِيمُونَ فِي الْأَمْصَار وَلَا يدْخلُونَهَا إلَاّ لحَاجَة، وَالْعرب اسْم لهَذَا الجيل من النَّاس، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَسَوَاء أَقَامَ بالبادية أَو المدن. وَالنِّسْبَة إِلَيْهِمَا أَعْرَابِي وعربي. قَوْله: (على اسْم صَلَاتكُمْ الْمغرب) ، كلمة: على، مُتَعَلقَة بقوله: (لَا يغلبنكم) . و (الْمغرب) ، بِالْجَرِّ صفة: للصَّلَاة، وَهَذِه اللَّفْظَة ترد تَفْسِير الْأَزْهَرِي: لَا يغلبنكم الْأَعْرَاب، وَهُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَنهُ عَن قريب. قَوْله: (قَالَ: وَتقول الْأَعْرَاب) ، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: قَالَ عبد الله الْمُزنِيّ: وَكَانَ الْأَعْرَاب يَقُولُونَ، ويريدون بِهِ الْمغرب، فَكَانَ يشْتَبه ذَلِك على الْمُسلمين بالعشاء الْآخِرَة فَنهى عَن إِطْلَاق الْعشَاء على الْمغرب دفعا للالتباس. وَقَالَ بَعضهم: وَقد جزم الْكرْمَانِي بِأَنَّهُ فَاعل: قَالَ، هُوَ عبد الله الْمُزنِيّ رَاوِي الحَدِيث، وَيحْتَاج إِلَى نقل خَاص لذَلِك، وإلَاّ فَظَاهر إِيرَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَنه من تَتِمَّة الحَدِيث، فَإِنَّهُ أورد بِلَفْظ: فَإِن الْأَعْرَاب تسميها، وَالْأَصْل فِي مثل هَذَا أَن يكون كلَاما وَاحِدًا حَتَّى يقوم دَلِيل على إدراجه. قلت: لم يجْزم الْكرْمَانِي بذلك، وَإِنَّمَا قَالَ: قَالَ عبد الله الْمُزنِيّ، بِنَاء على ظَاهر الْكَلَام، فَإِنَّهُ فصل بَين الْكَلَامَيْنِ بِلَفْظ: قَالَ: وَالظَّاهِر أَنه الرَّاوِي، على أَنه يحْتَمل أَن تكون هَذِه اللَّفْظَة مطوية فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ. قَوْله: (هِيَ الْعشَاء) ، بِكَسْر الْعين وبالمد، وَهُوَ من الْمغرب إِلَى الْعَتَمَة. وَقيل: من الزَّوَال إِلَى طُلُوع الْفجْر. وَاعْلَم أَنه اخْتلف فِي لفظ الْمَتْن الْمَذْكُور، فَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) وَأَبُو نعيم فِي (مستخرجه) وَابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) كَرِوَايَة البُخَارِيّ، وَرَوَاهُ ابو مَسْعُود الرَّازِيّ عَن عبد الصَّمد: (لَا يغلبنكم على اسْم صَلَاتكُمْ، فَإِن الْأَعْرَاب تسميها عتمة) . وَكَذَا رَوَاهُ عَليّ بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيّ عَن أبي معمر شيخ البُخَارِيّ. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ كَذَلِك، وَرجح الْإِسْمَاعِيلِيّ رِوَايَة أبي مَسْعُود الرَّازِيّ لموافقته حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، الَّذِي رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق أبي سَلمَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن ابْن عمر بِلَفْظ: (لَا يغلبنكم الْأَعْرَاب على اسْم صَلَاتكُمْ، فَإِنَّهَا فِي كتاب الله الْعشَاء، وَإِنَّهُم يعتمون بحلاب ازبل) . وَلابْن مَاجَه نَحوه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِإِسْنَاد حسن، وَلأبي يعلى وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَذَلِك.

٢٠ - (بابُ ذِكْرِ العِشَاءِ والعَتْمَةِ ومَنْ رَآهُ واسِعا)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر الْعشَاء وَالْعَتَمَة فِي الْآثَار، وَمن رأى إِطْلَاق إسم الْعَتَمَة على الْعشَاء وَاسِعًا، أَي: جَائِزا وَالْعَتَمَة

<<  <  ج: ص:  >  >>