للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَدِيث آخر كتب لَهُم ببحرهم أَي ببلدهم وأرضهم وَقيل الْبحار نَفسهَا وَفِي الْمطَالع قَالَ أَبُو الْهَيْثَم من وَرَاء الْبحار وَهُوَ وهم وَقَالَ الْكرْمَانِي لِأَنَّهُ لَا مسكن وَرَاء الْبحار (قلت) الْمَقْصُود مِنْهُ فاعمل وَلَو من الْبعد الْأَبْعَد من الْمَدِينَة وَلم يرد مِنْهُ حَقِيقَة ذَلِك (فَإِن قلت) فَهَل لمن أَرَادَ الْهِجْرَة من مَكَان لَا يقدر فِيهِ على إِقَامَة حد الله ثَوَاب الْهِجْرَة حَيْثُ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ (قلت) نعم وَكَذَلِكَ كل طَاعَة كَالْمَرِيضِ يُصَلِّي قَاعِدا وَلَو كَانَ صَحِيحا لصلى قَائِما فَإِن لَهُ ثَوَاب صَلَاة الْقَائِم (فَإِن قلت) لم مَنعه من الْهِجْرَة (قلت) لِأَنَّهَا كَانَت متعذرة على السَّائِل شاقة عَلَيْهِ وَكَانَ الْإِيجَاب حرجا عَلَيْهِ وأضرارا (فَإِن قلت) لم لَا تَقول بِأَن هَذِه الْقِصَّة كَانَت بعد نسخ وجوب الْهِجْرَة إِذْ لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح (قلت) التَّارِيخ غير مَعْلُوم مَعَ أَن الْمَنْسُوخ هُوَ الْهِجْرَة من مَكَّة وَأما غَيرهَا فَكل مَوضِع لَا يقدر الْمُكَلف فِيهِ على إِقَامَة حُدُود الدّين فالهجرة عَلَيْهِ مِنْهُ وَاجِبَة انْتهى كَلَام الْكرْمَانِي وَقَالَ الْمُهلب كَانَ هَذَا القَوْل قبل فتح مَكَّة إِذْ لَو كَانَ بعده لقَالَ لَهُ لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح كَمَا قَالَه لغيره وَلكنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - علم أَن الْأَعْرَاب قَلما تصبر على لأواء الْمَدِينَة أَلا يرى إِلَى قلَّة صَبر الْأَعرَابِي الَّذِي استقال الْهِجْرَة حِين مسته حمى الْمَدِينَة فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ إِذا أدّيت الْحق الَّذِي هُوَ أكبر شَيْء على الْأَعْرَاب ثمَّ منحت مِنْهَا وحلبتها يَوْم وُرُودهَا لمن ينتظرها من الْمَسَاكِين فقد أدّيت الْمَعْرُوف من حَقّهَا فرضا ونفلا فَهُوَ أقل لفتنتك كَمَا افْتتن المستقيل الْبيعَة وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ يحْتَمل أَن يكون ذَلِك خَاصّا بِهَذَا الْأَعرَابِي لما علم من حَاله وَضَعفه عَن الْمقَام بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ بَعضهم كَانَت الْهِجْرَة على غير أهل مَكَّة من الرغائب وَلم تكن فرضا وَقَالَ أَبُو عبيد كَانَت الْهِجْرَة على أهل الْحَاضِرَة وَلم تكن على أهل الْبَادِيَة وَقيل إِنَّمَا كَانَت الْهِجْرَة وَاجِبَة إِذا أسلم بعض أهل الْبَلَد وَلم يسلم بَعضهم لِئَلَّا يجْرِي على من أسلم أَحْكَام الْكفَّار وَلِأَن فِي هجرته توهينا لمن يسلم وَتَفْرِيقًا لجماعتهم وَذَلِكَ بَاقٍ إِلَى الْيَوْم إِذا أسلم فِي دَار الْحَرْب وَلم يُمكنهُ إِظْهَار دينه وَجب عَلَيْهِ الْخُرُوج فَأَما إِذا أسلم كل من فِي الدَّار فَلَا هِجْرَة عَلَيْهِم لحَدِيث وَفد عبد الْقَيْس وَأما الْهِجْرَة الْبَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَقَوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " المُهَاجر من هجر مَا نهى الله عَنهُ " قَوْله " فَإِن الله لن يتْرك من عَمَلك شَيْئا " قَالَ ابْن بطال لفظ الْكتاب يتْرك بِوَزْن مُسْتَقْبل ترك رَوَاهُ بَعضهم يتْرك بِكَسْر التَّاء وَفتح الرَّاء على أَن يكون مُسْتَقْبل وتر يتر وَمَعْنَاهُ لن ينْقصك وَفِي الْقُرْآن {وَلنْ يتركم أَعمالكُم} أَي لن ينقصكم شَيْئا من ثَوَاب أَعمالكُم وَقَالَ ابْن التِّين ضبط فِي رِوَايَة الْحسن بتَشْديد التَّاء وَصَوَابه بِالتَّخْفِيفِ وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ وَقَالَ الْفرْيَابِيّ بِالتَّشْدِيدِ وَالله أعلم -

٧٣ - (بابُ منْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ ولَيْسِتْ عِنْدَهُ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من بلغت عِنْده. . إِلَى آخِره. قَوْله: (صَدَقَة) ، مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: بلغت، وَهُوَ مُضَاف إِلَى: بنت مَخَاض. قَوْله: (وَلَيْسَت عِنْده) ، جملَة حَالية، وَقَالَ ابْن بطال: ذكر الحَدِيث وَلم يذكر مَا بوب لَهُ وَكَأَنَّهَا غَفلَة مِنْهُ، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهَا غَفلَة مِمَّن ظن بِهِ الْغَفْلَة، وَإِنَّمَا مقْصده أَن يسْتَدلّ على أَن من بلغت صدقته بنت مَخَاض وَلَيْسَت عِنْده هِيَ وَلَا ابْن لبون لَكِن عِنْده مثلا: حَقه، وَهِي أرفع من بنت مَخَاض، لِأَن بَينهمَا بنت لبون، وَقد تقرر أَن بَين بنت اللَّبُون وَبنت الْمَخَاض عشْرين درهما أَو شَاتين، وَكَذَلِكَ سَائِر مَا وَقع ذكره فِي الحَدِيث من سنّ يزِيد أَو ينقص، إِنَّمَا ذكر فِيهِ مَا يَليهَا لَا مَا يَقع بَينهمَا بتفاوت دَرَجَة، فَأَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى أَنه يستنبط من الزَّائِد والناقص الْمُتَّصِل مَا يكون مُنْفَصِلا بِحِسَاب ذَلِك، فعلى من بلغت صدقته بنت مَخَاض وَلَيْسَت عِنْده إلَاّ حقة أَن يرد عَلَيْهِ الْمُصدق أَرْبَعِينَ درهما أَو أَربع شِيَاه جبرانا، أَو بِالْعَكْسِ، فَلَو ذكر اللَّفْظ الَّذِي ترْجم بِهِ لما أفهم هَذَا الْغَرَض فتدبره. وَقيل: إِن من أمعن النّظر فِي تراجم هَذَا الْكتاب وَمَا أودعهُ فِيهَا من أسرار الْمَقَاصِد استبعد أَن يفعل أَو يضع لفظا لغير معنى أَو يرسم فِي الْبَاب خَبرا يكون غَيره بِهِ أقعد وَأولى، وَإِنَّمَا قصد بِذكر مَا لم يترجم بِهِ أَن يُقرر أَن الْمَقْصُود إِذا وجد الْأَعْلَى مِنْهُ أَو الأنقص شرع الْجبرَان كَمَا شرع ذَلِك فِيمَا يتضمنه هَذَا الْخَبَر من ذكر الْأَسْنَان، فَإِنَّهُ لَا فرق بَين فقد بنت مَخَاض وَوُجُود الْأَكْمَل مِنْهَا، قَالَ: وَلَو جعل الْعُمْدَة فِي هَذَا الْبَاب الْخَبَر الْمُشْتَمل على ذكر فقد بنت الْمَخَاض لَكَانَ نصا فِي التَّرْجَمَة ظَاهرا، فَلَمَّا تَركه وَاسْتدلَّ بنظيره أفهم مَا ذَكرْنَاهُ من الْإِلْحَاق بِنَفْي الْفَارِق وتسويته عين فقد ابْنة الْمَخَاض، وَوُجُود الْأَكْمَل بَينهَا وَبَين فقد الحقة، وَوُجُود الْأَكْمَل مِنْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>