وبالشين الْمُعْجَمَة الْغَطَفَانِي الْأَعْوَر، وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَامر البدري.
والْحَدِيث قد مضى فِي بَاب مُجَرّد بعد حَدِيث الْغَار فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن غير أَنه لَيْسَ فِيهِ لفظ الأولى، وَفِيه: فافعل مَا شِئْت.
قَوْله: (النَّاس) مَرْفُوع والعائد إِلَى: مَا، مَحْذُوف أَي: مَا أدْركهُ النَّاس، وَيجوز النصب والعائد ضمير الْفَاعِل، وَأدْركَ بِمَعْنى: بلغ، (وَإِذا لم تستح) إسم للكلمة المشبهة بِتَأْوِيل هَذَا القَوْل، أَي: إِن الْحيَاء لم يزل مستحسناً فِي شرائع الْأَنْبِيَاء السالفة، وَإنَّهُ باقٍ لم ينْسَخ فالأولون وَالْآخرُونَ فِيهِ أَي فِي استحسانه على منهاج وَاحِد. قَوْله: (فَاصْنَعْ مَا شِئْت) قَالَ الْخطابِيّ: الْأَمر فِيهِ للتهديد نَحْو: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فَإِن الله يجزيكم، أَو أَرَادَ بِهِ: إفعل مَا شِئْت مِمَّا لَا يستحي مِنْهُ وَلَا تفعل مَا تَسْتَحي مِنْهُ، أَو الْأَمر بِمَعْنى الْخَبَر أَي: إِذا لم يكن لَك حَيَاء يمنعك من الْقَبِيح صنعت مَا شِئْت. قلت: الْمَعْنى الثَّانِي أَشَارَ إِلَيْهِ النَّوَوِيّ حَيْثُ قَالَ فِي (الْأَرْبَعين) : الْأَمر فِيهِ للْإِبَاحَة، وَهُوَ ظَاهر مِنْهُ.
٧٩ - (بابُ مَا لَا يُسْتَحْيا مِنَ الحَقِّ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا لَا يستحي وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول حَاصِل معنى هَذِه التَّرْجَمَة أَن الْحيَاء لَا يجوز فِي السُّؤَال عَن أَمر الدّين، وَجَمِيع الْحَقَائِق الَّتِي تعبد الله عباده بهَا وَإِن الْحيَاء فِي ذَلِك مَذْمُوم، وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْحيَاء خير كُله، عَام مَخْصُوص.
٦١٢١ - حدَّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حَدثنِي مالِكٌ عَنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أبي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: جاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ: يَا رسولَ الله! إنَّ الله لَا يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ، فَهَلْ عَلَى المَرْأةِ غُسْلٌ إِذا احْتَلَمَتْ؟ فقالَ: نَعَمْ إِذا رَأتِ المَاءَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَذَلِكَ أَن أم سليم مَا استحيت فِي سؤالها الْمَذْكُور لِأَنَّهُ كَانَ لأجل الدّين.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب الْحيَاء فِي الْعلم من وَجه آخر، وَمضى أَيْضا فِي كتاب الْغسْل فِي: بَاب إِذا احْتَلَمت الْمَرْأَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك، وَأخرجه هُنَا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك، وَأَبُو سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد، وَأم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسْمهَا: هِنْد بنت أبي أُميَّة، وَأم سليم بِضَم السِّين أم أنس بن مَالك اخْتلف فِي اسْمهَا، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الْغسْل.
٦١٢٢ - حدَّثنا آدمُ حَدثنَا شُعْبَةُ حَدثنَا مُحارِبُ بنُ دِثار قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مثلُ المُؤْمِنِ كَمَثَل شَجَرَةٍ خَضْراءَ لَا يَسْقُطُ ورَقُها وَلَا يَتَحاتُّ، فَقَالَ القَوْمُ: هِيَ شَجَرَةُ كَذا، هِيَ شَجَرَةُ كَذا، فأرَدْتُ أنْ أقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ وَأَنا غُلامٌ شابٌّ فاسْتَحْيَيْتُ فَقَالَ: هيَ النَّخْلَةُ.
وعنْ شُعْبَةَ حَدثنَا خُبَيْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ حَفْص بنِ عاصِمٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ مِثْلَهُ، وزادَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ فَقَالَ: لَوْ كُنْتَ قُلْتَها لَكانَ أحَبَّ إلَيَّ مِنْ كَذا وكَذا.
قيل: لَا مُطَابقَة هُنَا بَين الحَدِيث والترجمة لِأَن التَّرْجَمَة فِيمَا لَا يستحي، وَفِي الحَدِيث: اسْتَحى، يَعْنِي عبد الله. قلت: تفهم الْمُطَابقَة من كَلَام عمر لِأَن عبد الله كَانَ صَغِيرا فاستحى أَن يتَكَلَّم عِنْد الأكابر، وَقَول عمر رَضِي الله عَنهُ، يدل على أَن سُكُوته غير حسن لِأَنَّهُ لَو كَانَ حسنا لقَالَ لَهُ: أصبت، فبالنظر إِلَى كَلَام عمر يدْخل فِي بَاب مَا لَا يستحي، فَافْهَم.
ومحارب بِكَسْر الرَّاء ابْن دثار بِكَسْر الدَّال وخبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن خبيب أَبُو الْحَارِث الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَحَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ.
وَمضى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْعلم من وُجُوه كَثِيرَة، وَمضى شَرحه مستقصًى.
قَوْله: (وَعَن شُعْبَة) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَأَرَادَ بِهِ الْإِشَارَة إِلَى قَوْله: (فَحدثت بِهِ عمر) رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (لَكَانَ أحب إليّ من كَذَا وَكَذَا) أَي: من حمر النعم، كَمَا تقدم صَرِيحًا، وَوجه الشّبَه فِي قَوْله: كَمثل شَجَرَة خضراء كَثْرَة خَيرهَا