الْمَجْهُول من الْإِضْمَار، يُقَال: ضمر الْفرس، بِالْفَتْح وأضمرته أَنا والضمر، بِضَم الضَّاد وَسُكُون الْمِيم: الهزال، وَكَذَلِكَ الضمور، وتضمير الْفرس أَن يعلف حَتَّى يسمن ثمَّ يردهُ إِلَى الْقُوت، وَذَلِكَ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَفِي (النِّهَايَة) : وتضمير الْخَيل هُوَ أَن تظاهر عَلَيْهَا الْعلف حَتَّى تسمن ثمَّ لَا تعلف إلَاّ قوتاً لتخف. وَقيل: تشد عَلَيْهَا سروجاً وتجلل بالأجلة حَتَّى تعرق تحتهَا فَيذْهب رهلها ويشتد لَحمهَا. قَوْله: رهلها، بِفَتْح الرَّاء وَالْهَاء وباللام، من رهل لَحْمه، بِالْكَسْرِ: اضْطربَ واسترخى، قَالَه الْجَوْهَرِي، والمضمر الَّذِي يضمر خيله لغزو أَو سباق، والمضمار الْموضع الَّذِي يضمر فِيهِ الْخَيل، وَتَكون وقتا للأيام الَّتِي يضمر فِيهَا.
قَوْله: (من الحفياء) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْفَاء وبالياء آخر الْحُرُوف وَالْألف الممدودة، وَقدم بَعضهم الْيَاء على الْفَاء، وَهُوَ اسْم مَوضِع بَينه وَبَين ثنية الْوَدَاع خَمْسَة أَمْيَال أَو سِتَّة أَو سَبْعَة، وثنية الوادع عِنْد الْمَدِينَة سميت بذلك لِأَن الْخَارِج من الْمَدِينَة يمشي مَعَه المودعون إِلَيْهَا، والثنية: لُغَة الطَّرِيقَة إِلَى الْعقبَة، فَاللَّام فِيهِ للْعهد. قَوْله: (وأمدها) الأمد، بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الْمِيم: الْغَايَة. قَوْله: (بني زُرَيْق) ، بِضَم الزَّاي الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره قَاف، وَبَنُو زُرَيْق ابْن عَامر حَارِثَة بن غضب بن جشم بن الْخَزْرَج. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَبَنُو زُرَيْق بطن من الْخَوَارِج قلت: تَفْسِيره بِهَذَا هُنَا غلط، وَالصَّحِيح هُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (وَأَن عبد ا) ، يجوز أَن يكون مقول عبد اللَّه بن عمر بطرِيق الْحِكَايَة عَن نَفسه باسمه على لفظ الْغَيْبَة، كَمَا تَقول عَن نَفسك: العَبْد فعل كَذَا، وَيجوز ان يكون مقول نَافِع قَوْله: (بهَا) أَي: بِالْخَيْلِ أَو بِهَذِهِ الْمُسَابقَة.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: فِيهِ: جَوَاز الْمُسَابقَة بَين الْخُيُول وَجَوَاز تضميرها وتمرينها على الجري، وإعدادها لذَلِك لينْتَفع بهَا عِنْد الْحَاجة فِي الْقِتَال كراً وفراً، وَهَذَا إِجْمَاع، وَعَن الشَّافِعِيَّة أَنَّهَا سنة، وَقيل: مُبَاح، وَكَانَت الْجَاهِلِيَّة يفعلونها فأقرها الْإِسْلَام، وَلَا يخْتَص جَوَازهَا بِالْخَيْلِ، خلافًا لقوم، والْحَدِيث مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ بِغَيْر رهان، وَالْفُقَهَاء شرطُوا فِيهَا شُرُوطًا مِنْهَا: جَوَاز الرِّهَان من جَانب وَاحِد، وَمن الْجَانِبَيْنِ قمار إلَاّ بِمُحَلل، وَقد علم فِي مَوْضِعه، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث دلَالَة على جَوَاز ذَلِك وَلَا على مَنعه. وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّه سَابق بَين الْخَيل على حلل أَتَتْهُ من الْيمن، فَأعْطى السَّابِق ثَلَاث حلل وَأعْطى الثَّانِي حلتين وَالثَّالِث حلَّة وَالرَّابِع دِينَارا، وَالْخَامِس درهما، وَالسَّادِس فضَّة. وَقَالَ: (بَارك افيك. وَفِي كلكُمْ وَفِي السَّابِق والفسكل) . قلت: الفسكل، بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة بَينهمَا وَفِي آخِره اللَّام: وَهُوَ الَّذِي يَجِيء فِي الجلبة آخر الْخَيل.
وَفِيه: تجويع الْبَهَائِم على وَجه الصّلاح وَلَيْسَ من بَاب التعذيب. وَفِيه: بَيَان الْغَايَة وَمِقْدَار أمدها. وَفِيه: جَوَاز إِضَافَة الْمَسْجِد إِلَى بانيه وَإِلَى مصلَ فِيهِ، كَمَا ذكرنَا، وَكَذَلِكَ تجوز إِضَافَة أَعمال الْبر إِلَى أَرْبَابهَا ونسبتها إِلَيْهِم وَلَيْسَ فِي ذَلِك تَزْكِيَة لَهُم.
٢٤ - (بابُ الْقِسْمَةِ وتعلْيقِ الْقِنْوِ فِي الْمَسْجِد)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قسْمَة الشَّيْء فِي الْمَسْجِد يَعْنِي: يجوز لِأَنَّهُ فعلهَا كَمَا فِي حَدِيث الْبَاب. قَوْله: (فِي الْمَسْجِد) ، يتَعَلَّق بِالْقِسْمَةِ. (وَتَعْلِيق القنو) عطف على الْقِسْمَة.
والمناسبة بَين هَذِه الْأَبْوَاب ظَاهِرَة لِأَنَّهَا فِي أَحْكَام تتَعَلَّق بِالْمَسْجِدِ.
قَالَ أبُو عَبْدِ اللَّه القِنْوُ العِزْقُ والإِثْنَانِ قِنْوَانِ وَالجمَاعَةُ أيْضاً قُنْوَانٌ مثْلُ صِنْوٍ وصِنْوَانٍ.
أَبُو عبد اللَّه هُوَ: البُخَارِيّ نَفسه، وَفسّر القنو بالعذق، والقنو، بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون النُّون. وَقَالَ ابْن سَيّده: القنو والقنا الكياسة، والقنا بِالْفَتْح لُغَة فِيهِ عَن أبي حنيفَة، وَالْجمع فِي كل ذَلِك أقناء وقنوان وقنيان. وَفِي (الْجَامِع) : فِي القنوان لُغَتَانِ، بِكَسْر الْقَاف وَضمّهَا، وكل الْعَرَب تَقول: قنو وقنو فِي الْوَاحِد. قَوْله: (العذق) بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة: هُوَ كالعنقود للعنب، والعذق، بِفَتْح الْعين: النَّخْلَة. قَوْله: (والاثنان قنوان) ، على وزن: فعلان، بِكَسْر الْفَاء، وَكَذَلِكَ الْجمع هَذَا الْوَزْن؟ فَإِن قلت: فَبِأَي شَيْء يفرق بَين التَّثْنِيَة وَالْجمع؟ قلت: بِسُقُوط النُّون فِي التَّثْنِيَة عِنْد الْإِضَافَة وثبوتها فِي الْجمع، وبكسرها فِي التَّثْنِيَة وإعرابها فِي الْجمع. قَوْله: (مثل صنو) يَعْنِي: فِي الحركات والسكنات، وَفِي التَّثْنِيَة وَالْجمع، والصنو هُوَ: النخلتان أَو ثَلَاثَة تخرج من أصل وَاحِدَة، وكل وَاحِد مِنْهُنَّ صنو، والإثنان صنْوَان، بِكَسْر النُّون، الْجمع: صنْوَان بإعرابها، وَالْبُخَارِيّ لم يذكر جمعه لظُهُوره من الأول.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute