للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي (صَحِيح ابْن حبَان) . وَقَوله: (بِحَق) ، يحْتَمل أَن يتَعَلَّق بقوله: يشْهد، وَيحْتَمل أَن يتَعَلَّق بقوله: استلمه، وروى معمر عَن رجل عَن الْمنْهَال ابْن عَمْرو عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: يَأْتِي الْحجر وَالْمقَام يَوْم الْقِيَامَة كل وَاحِد مِنْهُمَا مثل أحد، فيناديان بِأَعْلَى صوتهما يَشْهَدَانِ لمن وافاهما بِالْوَفَاءِ، وَعَن أنس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الرُّكْن وَالْمقَام ياقوتتان من يَوَاقِيت الْجنَّة. قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَعَن ابْن عمر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (الرُّكْن وَالْمقَام ياقوتتان من يَوَاقِيت الْجنَّة طمس الله نورهما، وَلَوْلَا ذَلِك لأضاء مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب) . أخرجه الْحَاكِم، وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد على شَرط مُسلم، وَزَاد: (وَلَوْلَا مَا مسهما من خَطَايَا بني آدم، مَا مسهما من ذِي عاهة إلَاّ شفي، وَمَا على الأَرْض من الْجنَّة غَيره) . وَعَن ابْن عَبَّاس رَفعه: (لَوْلَا مَا طبع الله الرُّكْن من أنجاس الْجَاهِلِيَّة وأرجاسها وأيدي الظلمَة وَالْأَئِمَّة لاستشفي بِهِ من كل عاهة، ولألقاه الله كَهَيْئَته يَوْم خلقه تَعَالَى، وَإِنَّمَا غَيره الله تَعَالَى بِالسَّوَادِ لِئَلَّا ينظر أهل الدُّنْيَا إِلَى زِينَة الْجنَّة، وَأَنه لياقوتة من ياقوت الْجنَّة بَيْضَاء، وَضعه لآدَم حَيْثُ أنزلهُ فِي مَوضِع الْكَعْبَة، وَالْأَرْض يَوْمئِذٍ طَاهِرَة لم يعْمل فِيهَا شَيْء من الْمعاصِي، وَلَيْسَ لَهَا أهل ينجسونها، وَوضع لَهَا صفا من الْمَلَائِكَة على أَطْرَاف الْحرم يحرسونه من جَان الأَرْض، وسكانها يَوْمئِذٍ الْجِنّ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُم أَن ينْظرُوا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ شَيْء من الْجنَّة، وَمن نظر إِلَى الْجنَّة دَخلهَا فهم على أَطْرَاف الْحرم حَيْثُ أَعْلَامه ليَوْم يحدقون بِهِ من كل جَانب، بَينه وَبَين الْحرم، وروى الطَّبَرَانِيّ عَن عَائِشَة: (اسْتَمْتعُوا من هَذَا الْحجر الْأسود قبل أَن يرفع فَإِنَّهُ خرج من الْجنَّة، وَأَنه لَا يَنْبَغِي لشَيْء خرج من الْجنَّة أَن لَا يرجع إِلَيْهَا قبل يَوْم الْقِيَامَة) . وَفِي رِوَايَة الجندي عَن مُجَاهِد: الرُّكْن من الْجنَّة وَلَو لم يكن مِنْهَا لفني. وَعند الجندي عَن سعيد بن الْمسيب: (الرُّكْن وَالْمقَام حجران من حِجَارَة الْجنَّة) .

أُخْرَى: كَانَ أَبُو طَاهِر القرمطي من الباطنية وَقَالَ بِسوء رَأْيه: هَذَا الْحجر مغنطيس بني آدم، فجَاء إِلَى مَكَّة وَقلع الْبَاب وأصعد رجلا من أَصْحَابه ليقطع الْمِيزَاب، فتردى على رَأسه إِلَى جَهَنَّم وَبئسَ المآب، وَأخذ أسلاب مَكَّة والحاج وَألقى الْقَتْلَى فِي بِئْر زَمْزَم فَهَلَك تَحت الْحجر من مَكَّة إِلَى الْكُوفَة أَرْبَعُونَ جملا، فعلقه لعنة الله عَلَيْهِ على الأسطوانة السَّابِعَة من جَامع الْكُوفَة من الْجَانِب الغربي ظنا مِنْهُ أَن الْحَج ينْتَقل إِلَى الْكُوفَة، قَالَ ابْن دحْيَة: ثمَّ حمل الْحجر إِلَى هجر سنة سبع عشرَة وثلاثمائة، وَبَقِي عِنْد القرامطة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة إلَاّ شهرا، ثمَّ رد لخمس خلون من ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة، وَكَانَ يحكم التركي بذل لَهُم فِي دِرْهَم خمسين ألف دِينَار، فَمَا فعلوا وَقَالُوا: أخذناه بِأَمْر وَلَا نرده إلَاّ بِأَمْر وَقيل: إِن القرمطي بَاعَ الْحجر من الْخَلِيفَة المقتدر بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار، ثمَّ أرسل الْحجر إِلَى مَكَّة على قعُود أعجف، فسمن تَحْتَهُ وَزَاد حسنه إِلَى مَكَّة، شرفها الله تَعَالَى.

١٥ - (بابُ إغلاقِ البَيْتِ ويُصَلِّي فِي أيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شاءَ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إغلاق بَاب الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام، يُقَال: أغلقت الْبَاب فَهُوَ مغلق، والأسم الغلق، وغلقت الْبَاب غلقا لُغَة رَدِيئَة، قَالَه الْجَوْهَرِي، وغلَّقت الْأَبْوَاب شدد للكثرة. قَوْله: (وَيُصلي) أَي: الدَّاخِل فِي الْبَيْت يُصَلِّي فِي أَي نَاحيَة شَاءَ من نواحي الْبَيْت، وكل نَاحيَة من نواحي الْبَيْت من دَاخله سَوَاء، كَمَا أَن كل نواحيه من خَارجه فِي الصَّلَاة إِلَيْهِ سَوَاء. وَفِي (التَّوْضِيح) : قَالَ الشَّافِعِي: من صلى فِي جَوف الْبَيْت مُسْتَقْبلا حَائِطا من حيطانها فَصلَاته جَائِزَة، وَإِن صلى نَحْو بَاب الْبَيْت وَكَانَ مغلقا، فَكَذَلِك وَإِن كَانَ مَفْتُوحًا فباطلة، لِأَنَّهُ لم يسْتَقْبل شَيْئا مِنْهَا، فَكَأَنَّهُ اسْتدلَّ على ذَلِك بغلق بَاب الْكَعْبَة حِين صلوا. وَقد يُقَال: إِنَّمَا أغلقه لِكَثْرَة النَّاس عَلَيْهِ فصلوا بِصَلَاتِهِ، وَيكون ذَلِك عِنْدهم من مَنَاسِك الْحَج، كَمَا فعل فِي صَلَاة اللَّيْل حِين لم يخرج إِلَيْهِم خشيَة أَن يكْتب عَلَيْهِم، وَمَتى فتح، وَكَانَت العتبة قدر ثُلثي ذِرَاع صحت أَيْضا، وَلَا يرد عَلَيْهِ مَا إِذا انْهَدَمت وَصلى كَمَا ألزمنا ابْن الْقصار بِهِ، لِأَنَّهُ صلى إِلَى الْجِهَة. انْتهى. قَالَ النَّوَوِيّ: إِذا كَانَ الْبَاب مسدودا أَو لَهُ عتبَة قدر ثُلثي ذِرَاع يجوز، هَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَفِي وَجه: يقدر بِذِرَاع، وَقيل: يَكْفِي شخوصها، وَقيل: يشْتَرط قدر قامة طولا وعرضا، وَلَو وضع بَين يَدَيْهِ مَتَاعا واستقبله لم يجزه. قلت: الصَّلَاة فِي الْكَعْبَة جَائِزَة فَرضهَا ونفلها، وَهُوَ قَول عَامَّة أهل الْعلم، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي. وَقَالَ مَالك: لَا يصلى فِي الْبَيْت وَالْحجر فَرِيضَة وَلَا رَكعَتَا الطّواف الواجبتان وَلَا الْوتر وَلَا رَكعَتَا الْفجْر، وَغير ذَلِك، لَا بَأْس بِهِ، ذكره فِي ذخيرتهم. وَذكر الْقُرْطُبِيّ فِي (تَفْسِيره) : عَن مَالك أَنه: لَا يُصَلِّي الْفَرْض وَلَا السّنَن، وَيُصلي التَّطَوُّع، فَإِن صلى فِيهِ مَكْتُوبَة

<<  <  ج: ص:  >  >>