وَسلم أنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ؟ قالَتْ: نَهانا فِي ذَلِكَ أهْلَ البَيْتِ أنْ نَنْتَبِذَ فِي الدُّبَّاءِ والمزَفّتِ. قُلْتُ: أما ذَكرَت الجَرَّ والحَنْتَم؟ قَالَ: إنَّما أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ أحَدِّثُ مَا لَمْ أسْمَعْ.
وَجه ذكر هَذَا أَيْضا فِي هَذَا الْبَاب مثل الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث السَّابِق. أخرجه عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير بن عبد الحميد عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن خَالِد الْأسود بن يزِيد النَّخعِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَشْرِبَة أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الْوَلِيمَة عَن مَحْمُود بن غيلَان.
قَوْله: (عَمَّا يكره) أَصله: عَن مَا فادغمت الْمِيم فِي الْمِيم بَعْدَمَا قلبت النُّون ميماً، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مَا نهى بِحَذْف عَن قَوْله: (أَن ينتبذ فِيهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول فِي الْمَوْضِعَيْنِ. قَوْله: (أهل الْبَيْت) مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص، وَيجوز أَن يكون نصبا على الْبَدَل من الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي نَهَانَا. قَوْله: (قلت: أما ذكرت) ، الْقَائِل إِبْرَاهِيم يُخَاطب الْأسود بذلك. قَوْله: (والحنتم) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهِي جرار خضر مدهونة كَانَت تحمل الْخمر فِيهَا إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ اتَّسع فِيهَا، فَقيل للخزف كُله: حنتم، واحدتها حنتمة، وَإِنَّمَا نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الانتباذ فِيهَا لِأَنَّهَا تسرع الشدَّة فِيهَا لأجل دهنها، وَقيل: لِأَنَّهَا كَانَت تعْمل من طين يعجن بِالدَّمِ، فَنهى عَنْهَا ليمتنع عَن عَملهَا. قَالَ ابْن الْأَثِير: وَالْأول أوجه. قَوْله (أحدث مَا لم أسمع؟) أَصله أأحدث؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام الإنكاري وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (أفأ حدث؟) بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين أفنحدث؟ بنُون الْجمع، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أفأحدثك مَا لم أسمع؟ .
٥٥٩٦ - حدّثنامُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا عبْدُ الوَاحِدِ حَدثنَا الشَّيْبانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عبدَ الله بنَ أبي أوْفَى رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نَهى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الجَرِّ الأخْضَرِ، قُلْتُ: أنَشْرَبُ فِي الأبْيَضِ؟ قَالَ: لَا.
وَجه ذكر هَذَا أَيْضا هُنَا مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث السَّابِق. أخرجه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد الْبَصْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان فَيْرُوز الشَّيْبَانِيّ بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون عَن عبد الله بن أبي أوفى رَضِي الله عَنْهُمَا وَاسم أبي أوفى: عَلْقَمَة، لَهُ ولأبيه صُحْبَة.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْأَشْرِبَة عَن مَحْمُود بن غيلَان وَغَيره. قَوْله: (عَن الْجَرّ الْأَخْضَر) أَي: عَن نَبِيذ الْجَرّ الْأَخْضَر. قَوْله: (قلت: أنشرب؟) الْقَائِل عبد الله بن أبي أوفى. قَوْله: (قَالَ: لَا) يَعْنِي: أَن حكمه حكم الْأَخْضَر، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: قلت: والأبيض؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. وَفِي رِوَايَة: نهى عَن نَبِيذ الْجَرّ الْأَخْضَر والأبيض. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَفْهُوم الْأَخْضَر يَقْتَضِي مُخَالفَة حكم الْأَبْيَض لَهُ، وَأجَاب بِأَن شَرط اعْتِبَار الْمَفْهُوم أَن لَا يكون الْكَلَام خَارِجا مخرج الْغَالِب، وَكَانَت عَادَتهم الانتباذ فِي الجرار الْخضر، فَذكر الْأَخْضَر لبَيَان الْوَاقِع لَا للِاحْتِرَاز. وَقَالَ الْخطابِيّ: لم يعلق الحكم فِي ذَلِك بخضرة الْجَرّ وبياضه، وَإِنَّمَا يعلق بالإسكار، وَذَلِكَ أَن الجرار أوعية مُنْتِنَة قد يتَغَيَّر فِيهَا الشَّرَاب وَلَا يشْعر بِهِ فنهوا عَن الانتباذ فِيهَا، وَأمرُوا أَن ينتبذوا فِي الأسقية لزفتها، فَإِذا تغير الشَّرَاب فِيهَا يعلم حَالهَا فيجتنب عَنهُ، وَأما ذكر الخضرة فَمن أجل أَن الجرار الَّتِي كَانُوا ينتبذون فِيهَا كَانَت خضرًا والأبيض بمثابته فِيهِ والآنية لَا تحرم شَيْئا وَلَا تحلله، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هَذَا عِنْدِي كَلَام خرج على جَوَاب سُؤال، كَأَنَّهُ قيل: الْجَرّ الْأَخْضَر؟ فَقَالَ: لَا تنتبذوا فِيهِ، فَسَمعهُ الرَّاوِي فَقَالَ: نهى عَن الْجَرّ الْأَخْضَر، وَأخرجه الشَّافِعِي، رَحمَه الله، عَن سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن ابْن أبي أوفى: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نَبِيذ الْجَرّ الْأَخْضَر والأبيض والأحمر. قلت: حَاصِل الْكَلَام أَن النَّهْي يتَعَلَّق بالإسكار لَا بالخضرة وَلَا بغَيْرهَا، وَقد أخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن أبي أوفى: أَنه كَانَ يشرب نَبِيذ الْجَرّ الْأَخْضَر. وَأخرج أَيْضا بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن مَسْعُود: أَنه كَانَ ينتبذ لَهُ فِي الْجَرّ الْأَخْضَر.
٩ - (بابُ نَقِيع التَّمْرِ مَا لَمْ يُسْكِرْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم شرب نَقِيع التَّمْر مَا لم يسكر قيد بقوله: مَا لم يسكر، لِأَنَّهُ مُبَاح وَإِذا أسكر يكون حَرَامًا.
حدّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا يَعْقُوبُ بنُ عبْدِ الرَّحْمانِ القارِيُّ عنْ أبي حازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ