وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: رَأيْتُهُ عَبْداً
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس: رَأَيْت زوج بَرِيرَة عبدا وَهَذَا أصح لِأَنَّهُ رَآهُ كَمَا سَيَجِيءُ. قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ يُقَال لَهُ: مغيث، وَكَانَ عبدا لآل الْمُغيرَة من بني مَخْزُوم، فَخير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَرِيرَة وأمرها أَن تَعْتَد. قَالُوا: إِنَّمَا خَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأجل كَون زَوجهَا عبدا. وَقَول ابْن عَبَّاس هَذَا مضى فِي الطَّلَاق مَوْصُولا فِي: بَاب خِيَار الْأمة تَحت العَبْد، وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ.
٠٢ - (بابُ مِيراثِ السَّائِبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث السائبة بِالسِّين الْمُهْملَة على وزن فاعلة أَي: الْمُهْملَة كَالْعَبْدِ يعْتق على أَن لَا وَلَاء لأحد عَلَيْهِ وَقد قيل فِي قَوْله تَعَالَى: { (٥) مَا جعل الله من بحيرة وَلَا سائبة} (الْمَائِدَة: ٣٠١) هُوَ أَن يَقُول لعَبْدِهِ: أَنْت سائبة لم يكن عَلَيْهِ وَلَاء وَأول من سيب السوائب عَمْرو بن لحي. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مِيرَاث السائبة، فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر: وَلَاؤُه لمعتقه، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث الْبَاب، وَقَالَت طَائِفَة: مِيرَاثه للْمُسلمين، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب، وَرُوِيَ أَيْضا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَرَبِيعَة وَأبي الزِّنَاد، وَهُوَ قَول مَالك وَهُوَ مَشْهُور مذْهبه. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: بوالي الْمُعْتق سائبته من شَاءَ فَإِن مَاتَ وَلم يوالِ أحدا فولاؤه للْمُسلمين.
٣٥٧٦ - حدّثنا قَبِيصَةُ بنُ عُقْبةَ حدّثنا سُفْيانُ عنْ أبي قَيْسٍ عنْ هُزَيْلٍ عنْ عَبْدِ الله قَالَ: إنَّ أهْل الإسْلامِ لَا يُسَيِّبُونَ وإنَّ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ كَانُوا يُسَيِّبُون.
وَهَذَا الحَدِيث مُخْتَصر ومطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ مَا جَاءَ فِيهِ وَهُوَ أَنه جَاءَ رجل إِلَى عبد الله فَقَالَ: إِنِّي أعتقت عبدا سائبة فَمَاتَ وَترك مَالا وَلم يدع وَارِثا، فَقَالَ عبد الله: إِن أهل الْإِسْلَام لَا يسيبون، وَإِنَّمَا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يسيبون وَأَنت ولي نعْمَته فلك مِيرَاثه.
وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ. وسُفْيَان فِي السَّنَد هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو قيس هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مَرْوَان، وهزيل مصغر هزل بالزاي ابْن شُرَحْبِيل يروي عَن عبد الله بن مَسْعُود.
٤٥٧٦ - حدّثنا مُوسى احدّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبراهِيمَ عنِ الأسْوَدِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ لِتُعْتِقَها واشْتَرَطَ أهْلُها وَلاءَها، فقالَتْ: يَا رسولَ الله! إنِّي اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ لأعْتِقَها وإنَّ أهْلها يَشْتَرِطُونَ وَلاءَها، فَقَالَ: (أعْتَقِيها، فإنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ) . أوْ قَالَ: (أعْطى الثَّمَنَ) قَالَ: فاشْتَرَتْها فأعْتَقَتْها، قَالَ: وخُيِّرَتْ فاخْتارَتْ نَفْسَها، وقالَتْ: لَوْ أُعْطِيتُ كَذَا وكَذا مَا كُنْتُ مَعَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْوَلَاء لما كَانَ للْمُعْتق اسْتَوَى السائبة وَغَيرهَا.
ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وَبعد الْألف نون واسْمه الوضاح الْيَشْكُرِي، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد.
والْحَدِيث قد مضى أَكثر من عشْرين مرّة.
قَوْله: (وَاشْترط أَهلهَا) يَعْنِي: يبيعونها بِشَرْط أَن يكون الْوَلَاء لَهُم.