أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أم أمنتم أَن يعيدكم فِيهِ تَارَة أُخْرَى} (الْإِسْرَاء: ٩٦) وَفسّر: تَارَة، بقوله: مرّة، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَيجمع على تيرة بِكَسْر التَّاء وَفتح اليا آخر الْحُرُوف وعَلى تارات، وَقَالَ ابْن التِّين: الْأَحْسَن سُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الرَّاء كَمَا يُقَال فِي جمع قاعة: قيعة.
{لأحْتَنِكَنَّ لأسْتَأصِلَنَّهُمْ يُقالُ احْتَنَكَ فُلَانٌ مَا عِنْدَ فُلَانٍ مِنْ عِلْمٍ اسْتَقصاهُ} (الْإِسْرَاء: ٢٦)
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَئِن أخرتني إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لأحتنكن ذُريَّته إلَاّ قَلِيلا} وَفسّر الاحتناك بالاستئصال، وَقيل: مَعْنَاهُ لأستولين عَلَيْهِم بالإغواء والإضلال، وَأَصله من احتنك الْجَرَاد الزَّرْع وَهُوَ أَن تَأْكُله وتستأصله باحتناكها وتفسده، هَذَا هُوَ الأَصْل، ثمَّ يُسمى الِاسْتِيلَاء على الشَّيْء وَأخذ كُله احتناكاً، وَعَن مُجَاهِد: معنى لأحتنكن لأحتوين.
طائِرَهُ حَظَّهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه} (الْإِسْرَاء: ٣١) الْآيَة وَفسّر (طَائِره) بقوله: (حَظه) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة والقتبي، وَقَالا: أَرَادَ بالطائر حَظه من الْخَيْر وَالشَّر، من قَوْلهم: طَار بهم فلَان بِكَذَا، وَإِنَّمَا خص عُنُقه دون سَائِر أَعْضَائِهِ لِأَن الْعُنُق مَوضِع السمات وَمَوْضِع القلادة وَغير ذَلِك مِمَّا يزين أَو يشين، فَجرى كَلَام الْعَرَب بِنِسْبَة الْأَشْيَاء الْأَشْيَاء اللَّازِمَة إِلَى الْأَعْنَاق، فَيَقُولُونَ: هَذَا الشَّيْء لَك فِي عنقِي حَتَّى أخرج مِنْهُ، وَعَن ابْن عَبَّاس: طَائِره عمله، وَعَن الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل: خَيره وشره مَعَه لَا يُفَارِقهُ حَتَّى يُحَاسب عَلَيْهِ، وَعَن الْحسن: يمنه وشومه، وَعَن مُجَاهِد: رزقه.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ كُلُّ سُلْطانٍ فِي القُرْآنِ فَهْوَ حُجةٌ
هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم البستي عَن ابْن أبي عمر: حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، وَأما لفظ السُّلْطَان فِي هَذِه السُّورَة فِي موضِعين: أَحدهمَا قَوْله: {فقد جعلنَا لوَلِيِّه سُلْطَانا} (الْإِسْرَاء: ٣٣) وَالْآخر قَوْله: {وَاجعَل لي من لَدُنْك سُلْطَانا نَصِيرًا} (الْإِسْرَاء: ٠٨) .
ولِيٌّ مِنَ الذَّلِّ لَمْ يُحالِفْ أحدا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلم يكن لَهُ ولي من الذل وَكبره تَكْبِيرا} . قَوْله: (لم يحالف) بِالْحَاء الْمُهْملَة، أَي: لم يوال أحدا لأجل مذلة بِهِ ليدفعها بموالاته، وَعَن مُجَاهِد: لم يحْتَج فِي الِانْتِصَار إِلَى أحد، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.
٣ - (بابُ قَوْلِهِ: {سُبْحانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ} (الْإِسْرَاء: ١)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} الْآيَة، وَسُبْحَان علم للتسبيح، وَالْمعْنَى: سبح الله تَعَالَى وَأسرى وسرى لُغَتَانِ، وليلاً، نصب على الظّرْف وَإِنَّمَا ذكر: لَيْلًا، بالتنكير وَإِن كَانَ الْإِسْرَاء لَا يكون إلَاّ بِاللَّيْلِ إِشَارَة إِلَى تقليل مُدَّة الْإِسْرَاء.
٢٣٠ - (حَدثنَا عَبْدَانِ حَدثنَا عبد الله أخبرنَا يُونُس ح وَحدثنَا أَحْمد بن صَالح حَدثنَا عَنْبَسَة حَدثنَا يُونُس عَن ابْن شهَاب قَالَ ابْن الْمسيب قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أُتِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة أسرِي بِهِ بإيلياء بقدحين من خمر وَلبن فَنظر إِلَيْهِمَا فَأخذ اللَّبن قَالَ جِبْرِيل الْحَمد لله الَّذِي هداك للفطرة لَو أخذت الْخمر غوت أمتك) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأخرجه من طَرِيقين أَحدهمَا عَن عَبْدَانِ هُوَ عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن ابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب وَالْآخر عَن أَحْمد بن صَالح أبي جَعْفَر الْمصْرِيّ عَن عَنْبَسَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالسين الْمُهْملَة ابْن خَالِد عَن يُونُس إِلَى آخِره والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَشْرِبَة عَن عَبْدَانِ وَأخرجه مُسلم فِي الْأَشْرِبَة عَن زُهَيْر بن حَرْب