ابْن إِبْرَاهِيم: سَمِعت رجلا كَانَ يُقَال لَهُ مولى أبي قَتَادَة، وَلم يكن مولى لأبي قَتَادَة، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق عَن عبد الله ابْن أبي سَلمَة أَن نَافِعًا مولى بني غفار، فَظهر من ذَلِك أَنه لم يكن مولى أبي قَتَادَة حَقِيقَة، وَقد صرح بذلك ابْن حبَان، فَقَالَ: هُوَ مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، وَكَانَ يُقَال لَهُ: مولى أبي قَتَادَة نسب إِلَيْهِ وَلم يكن مَوْلَاهُ. قلت: إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك يكون وَجه ذَلِك أَنه قيل: مولى أبي قَتَادَة لِكَثْرَة لُزُومه إِيَّاه وقيامه بِقَضَاء مَا يهمه من بَاب الْخدمَة، كَأَنَّهُ صَار مَوْلَاهُ، فَتكون نسبته بِهَذَا الْوَجْه على سَبِيل الْمجَاز. وَقد وَقع مثل ذَلِك كثيرا، فَمِنْهُ مَا وَقع لقاسم مولى ابْن عَبَّاس. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان إِلَى آخِره. وَقَالَ بَعضهم: هَكَذَا حول المُصَنّف الْإِسْنَاد إِلَى رِوَايَة عَليّ للتصريح فِيهِ عَن سُفْيَان بقوله: حَدثنَا صَالح بن كيسَان. قلت: فِي كثير من النّسخ: حَدثنَا صَالح، فِي الطَّرِيقَيْنِ فَلَا يحْتَاج إِلَى مَا قَالَه.
قَوْله: (بالقاحة) ، بقاف وحاء مُهْملَة خَفِيفَة: على ثَلَاثَة مراحل من الْمَدِينَة قبل السقيا بِنَحْوِ ميل: قَالَ عِيَاض: كَذَا قَيده النَّاس كلهم، وَرَوَاهُ بَعضهم عَن البُخَارِيّ بِالْفَاءِ وَهُوَ وهم، وَالصَّوَاب بِالْقَافِ، وَزعم ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي أَنَّهَا بفاء وجيم، ورد ذَلِك عَلَيْهِ ابْن هِشَام: قيل: وَقع عِنْد الجوزقي من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن بشر عَن سُفْيَان: بالصفاح، بدل: القاحة، بِكَسْر الصَّاد بعْدهَا فَاء، وَنسب ذَلِك إِلَى التَّصْحِيف لِأَن الصفاح مَوضِع بِالرَّوْحَاءِ وَبَين الروحاء وَبَين السقيا مَسَافَة طَوِيلَة وَقَالَ الْبكْرِيّ الروحاء قَرْيَة جَامِعَة لمزينة على لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة بَينهمَا أحد وَأَرْبَعُونَ ميلًا والسقيا أَيْضا قَرْيَة جَامِعَة. قَوْله: (على ثَلَاث) أَي: ثَلَاث مراحل. قَوْله: (يتراؤن) على وزن يتفاعون صِيغَة جمع مُذَكّر من الرُّؤْيَة. قَوْله: (فَإِذا حمَار وَحش) ، كلمة: إِذا، للمفاجأة وحمار مُضَاف إِلَى وَحش. قَوْله: (يَعْنِي: وَقع سَوْطه) قَالَ الْكرْمَانِي: لفظ: يَعْنِي، كَلَام الرَّاوِي تَفْسِير لما يدل عَلَيْهِ: (لَا نعينك عَلَيْهِ) يَعْنِي: قَالُوا: لَا نعينك على أَخذ السَّوْط حِين وَقع سَوْطك. قلت: هَذَا التَّرْكِيب لَا يَتَّضِح إلَاّ بأَشْيَاء مقدرَة، تَقْدِيره: فَإِذا حمَار وَحش، فركبت فرسي وَأخذت الرمْح وَالسَّوْط، فَسقط مني السَّوْط، فَقلت ناولوني! فَقَالُوا: لَا نعينك عَلَيْهِ. وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي عوَانَة عَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ. قَوْله: (فتناولته فَأَخَذته) . قَوْله: (من وَرَاء أكمة) بِفَتَحَات، وَهِي التل من حجر وَاحِد. قَوْله: (أمامنا) أَي: قدامنا. قَوْله: (حَلَال) ، مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: فَهُوَ حَلَال، وَقد ظهر الْمُبْتَدَأ فِي رِوَايَة أبي عوَانَة. (فَقَالَ: كلوه فَهُوَ حَلَال) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (هُوَ حَلَال فكلوه) ، ويروى: (حَلَالا) ، بِالنّصب. فَإِن صحت الرِّوَايَة بِهِ فَهُوَ مَنْصُوب على أَنه صفة مصدر مَحْذُوف، أَي: أكلا حَلَالا. قَوْله: (قَالَ لنا عَمْرو) أَي: عَمْرو بن دِينَار، وَصرح بِهِ أَبُو عوَانَة فِي رِوَايَته، وَالْقَائِل سُفْيَان، وَالْغَرَض بذلك تَأْكِيد ضَبطه لَهُ وسماعه لَهُ من صَالح وَهُوَ ابْن كيسَان. قَوْله: (فسلوه) أَصله: فَاسْأَلُوهُ. قَوْله: (وَقدم علينا هَهُنَا) ، يَعْنِي: مَكَّة، وَمرَاده أَن صَالح بن كيسَان مدنِي قدم مَكَّة، فَدلَّ عَمْرو بن دِينَار أَصْحَابه عَلَيْهِ ليسمعوا مِنْهُ هَذَا وَغَيره.
وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي الْمسَائِل الفرعية، وَالِاخْتِلَاف فِيهَا.
٥ - (بابٌ لَا يُشِيرُ الْمُحْرِمُ إلَى الصَّيْدِ لِكَيْ يَصْطَادَهُ الحَلَالُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يُشِير ... إِلَى آخِره، وَاللَّام فِي قَوْله: (لكَي) ، للتَّعْلِيل، وَلَفْظَة: كي، بِمَنْزِلَة: أَن، المصدرية معنى وَعَملا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ صِحَة حُلُول أَن محلهَا، وَأَنَّهَا لَو كَانَت حرف تَعْلِيل لم يدْخل عَلَيْهَا حرف تَعْلِيل، فَافْهَم.
٤٢٨١ - حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ قَالَ حدَّثنا عُثْمَانُ هُوَ ابنُ مَوْهَبٍ قَالَ أخبرَنِي عَبْدُ الله بنُ أبي قَتادَةَ أنَّ أبَاهُ أخبرَهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرَجَ حَاجا فخَرَجُوا معَهُ فصَرَفَ طائِفةً مِنْهُمْ فِيهِمْ أبُو قتَادَةَ فَقال خُذُوا ساحِلَ البَحْرِ حَتَّى نَلْتَقِيَ فأخذُوا ساحِلَ الْبَحْرِ فَلَمَّا انْصَرَفُوا أحْرَمُوا كُلُّهُمْ إلَاّ أبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إذْ رأَوْا حُمُرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute