للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويمنيها وَلَيْسَ هَذَا من طَرِيق الْكَذِب، لِأَن حَقِيقَته الْإِخْبَار عَن الشَّيْء على خلاف مَا هُوَ عَلَيْهِ، والوعد لَا يكون حَقِيقَة حَتَّى ينجز، وإلانجاز مرجو فِي الاستقيال، فَلَا يصلح أَن يكون كذبا، وَكَذَلِكَ فِي الْحَرْب إِنَّمَا يجوز فِيهَا المعاريض والإبهام بِأَلْفَاظ تحْتَمل وَجْهَيْن، فيوري بهَا عَن أحد الْمَعْنيين ليغتر السَّامع بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر، وَلَيْسَ حَقِيقَته الْإِخْبَار عَن الشَّيْء بِخِلَافِهِ وضده، وَنَحْو ذَلِك مَا رُوِيَ عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مازح عجوزاً، فَقَالَ: (إِن العُجَّز لَا يدخلن الْجنَّة) . فأوهمها فِي ظَاهر الْأَمر أَنَّهُنَّ لَا يدخلن الْجنَّة أصلا، وَإِنَّمَا أَرَادَ: أَنَّهُنَّ لَا يدخلن الْجنَّة إلَاّ شبَابًا، فَهَذَا وَشبهه من المعاريض الَّتِي فِيهَا مندوحة عَن الْكَذِب، وَأما صَرِيح الْكَذِب فَلَيْسَ بجائز لأحد. وَأما قَول حُذَيْفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. فَإِنَّهُ خَارج من مَعَاني الْكَذِب الَّذِي رُوِيَ عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أذن فِيهَا، وَإِنَّمَا ذَلِك من جنس إحْيَاء الرجل نَفسه عِنْد الْخَوْف، كَالَّذي يضْطَر إِلَى الْميتَة وَلحم الْخِنْزِير فيأكل ليحيى نَفسه، وَكَذَلِكَ الْخَائِف، لَهُ أَن يخلص نَفسه بِبَعْض مَا حرم الله تَعَالَى عَلَيْهِ، وَله أَن يحلف على ذَلِك وَلَا حرج عَلَيْهِ وَلَا إِثْم، قَالَ عِيَاض: وَأما المخادعة فِي منع حق عَلَيْهِ أَو عَلَيْهَا أَو أَخذ مَا لَيْسَ لَهُ أَولهَا فَهُوَ حرَام بِالْإِجْمَاع.

٣ - (بابُ قَوْلِ الإمامِ لأصْحَابِهِ اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الإِمَام ... إِلَى آخِره. قَوْله: (نصلح) ، مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر.

٣٩٦٢ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله الأويْسِيُّ وإسْحَاقُ بنَ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيُّ قَالَا حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرَ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ أهْلَ قُباءٍ اقْتَتَلُوا حتَّى تَرَاموْا بالحِجَارَةِ فأُخْبِرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذَلِكَ فَقَالَ اذْهَبُوا بِنا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ..

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد بن عبد الله هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس بن ذُؤَيْب أَبُو عبد الله الذهلي النَّيْسَابُورِي، روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي قريب من ثَلَاثِينَ موضعا، وَلم يقل: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى الذهلي مُصَرحًا، وَيَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد، وَلَا يزِيد عَلَيْهِ، وَرُبمَا يَقُول: مُحَمَّد بن عبد الله، فينسبه إِلَى جده، وَيَقُول أَيْضا: مُحَمَّد بن خَالِد، وينسبه إِلَى جد أَبِيه، وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن البُخَارِيّ، لما دخل نيسابور شغب عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي مَسْأَلَة خلق اللَّفْظ، وَكَانَ قد سمع مِنْهُ، فَلم يتْرك الرِّوَايَة عَنهُ وَلم يُصَرح باسمه، مَاتَ بعد البُخَارِيّ بِيَسِير، سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَأما عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي فَهُوَ أَيْضا من مَشَايِخ البُخَارِيّ، وَقد روى عَنهُ بِلَا وَاسِطَة فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وروى هُنَا بِوَاسِطَة مُحَمَّد بن يحيى، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَأبي أَحْمد الْجِرْجَانِيّ بإسقاطه، وَصَارَ الحَدِيث عِنْدهمَا: عَن البُخَارِيّ عَن عبد الْعَزِيز وَإِسْحَاق بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن أبي فَرْوَة أَبُو يَعْقُوب الْفَروِي، وَهُوَ أَيْضا من مَشَايِخ البُخَارِيّ، روى عَنهُ وَعَن مُحَمَّد غير مَنْسُوب عَنهُ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبد الْعَزِيز وَإِسْحَاق كِلَاهُمَا رويا عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير عَن أبي حَازِم: سَلمَة بن دِينَار عَن سهل بن دِينَار عَن سهل بن سعد الْأنْصَارِيّ، وَهَذَا الحَدِيث طرف من حَدِيث سهل بن سعد الَّذِي مضى فِي أول كتاب الصُّلْح.

قَوْله: (نصلح) ، يجوز بِالْجَزْمِ وبالرفع، أما الْجَزْم: فَلِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر. وَأما الرّفْع فعلى تَقْدِير: نَحن نصلح.

وَفِيه: خُرُوج الإِمَام مَعَ أَصْحَابه للإصلاح بَين النَّاس عِنْد تفاقم أُمُورهم وَشدَّة تنازعهم. وَفِيه: مَا كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من التَّوَاضُع والخضوع والحرص على قطع، الْخلاف وحسم دواعي الْفرْقَة عَن أمته، كَمَا وَصفه الله تَعَالَى.

٤ - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {أنْ يَصَّالَحَا بيْنَهُمَا صُلْحاً والصُّلْحُ خيْرٌ} (النِّسَاء: ٨٢١) .)

أول الْآيَة، قَوْله تَعَالَى: {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصَّالحا بَينهمَا صلحا وَالصُّلْح خير، وأحضرت الْأَنْفس الشُّح، وَإِن تحسنوا وتتقوا فَإِن الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا} (النِّسَاء: ٨٢١) . يَقُول الله تَعَالَى مخبرا ومشرعاً عَن حَال الزَّوْجَيْنِ تَارَة فِي حَال نفور الرجل عَن الْمَرْأَة، وَتارَة فِي حَال اتفاقه مِنْهَا، وَتارَة عِنْد فِرَاقه لَهَا. فالحالة

<<  <  ج: ص:  >  >>