والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن فِي الْبَاب الأول ذكر الْوضُوء من غير حدث، وَله فضل كَبِير إِذا كَانَ المتوضىء محترزاً عَن إِصَابَة الْبَوْل بدنه أَو ثَوْبه، وَفِي هَذَا الْبَاب يذكر الْوَعيد فِي حق من لَا يحْتَرز مِنْهُ.
مِنَ الكَبَائِر أنْ لَا يَسْتَتَرَ مِنْ بَوْلهِ
كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء. قَوْله:(من الْكَبَائِر) ، مقدما خَبره، وَالتَّقْدِير: ترك استتار الرجل من بَوْله من الْكَبَائِر، وَهُوَ جمع: كَبِيرَة، وَهِي: الفعلة القبيحة من الذُّنُوب الْمنْهِي عَنْهَا شرعا، الْعَظِيم أمرهَا: كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا والفرار من الزَّحْف وَغير ذَلِك، وَهِي من الصِّفَات الْغَالِبَة، يَعْنِي: صَار إسما لهَذِهِ الفعلة القيبحة. وَفِي الأَصْل هِيَ صفة، وَالتَّقْدِير: الفعلة الْكَبِيرَة. وَاخْتلفُوا فِي الْكَبَائِر فَقيل: سبع، وَهُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث ابي هُرَيْرَة، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:(اجتنبوا السَّبع الموبقات، فَقيل: يَا رَسُول الله وَمَا هن؟ قَالَ: الاشراك بِاللَّه، وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ، وَالسحر، وَأكل الرِّبَا، وَأكل مَال الْيَتِيم، والتولي يَوْم الزَّحْف، وَقذف الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات الْغَافِلَات) . وَقيل: الْكَبَائِر تسع، وروى الْحَاكِم فِي حَدِيث طَوِيل:(والكبائر تسع) فَذكر السَّبْعَة الْمَذْكُورَة، وَزَاد عَلَيْهَا:(عقوق الْوَالِدين الْمُسلمين، وَاسْتِحْلَال الْبَيْت الْحَرَام) . وَقيل: الْكَبِيرَة كل مَعْصِيّة. وَقيل: كل مَعْصِيّة. وَقيل: كل ذَنْب قرن بِنَار أَو لعنة أَو غضب أَو عَذَاب، وَقَالَ رجل لِابْنِ عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: الْكَبَائِر سبع؟ فَقَالَ: هِيَ إِلَى سَبْعمِائة. قلت: الْكَبِيرَة أَمر نسبي، فَكل ذَنْب فَوْقه ذَنْب فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ صَغِيرَة، وبالنسبة إِلَى مَا تَحْتَهُ كَبِيرَة.