طهرت طَهُرَتْ فأرَادَ أَن يُطَلِّقَها فَلْيُطَلِّقْها. قُلْتُ: فَهَلْ عَدَّ ذالِكَ طَلَاقا؟ قَالَ: أرَأيْتَ إنْ عَجَزَ واسْتَحْمَقَ.
كَانَ وَجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي قبله. وَلَكِن يُمكن أَن يُقَال بالتعسف إِن قَوْله: (إِن ابْن عمر طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض) أَعم من أَنه واجهها بِالطَّلَاق أَو لَا. وَلَكِن قيل: إِنَّه واجهها لِأَنَّهُ طَلقهَا عَن شقَاق، وَفِيه نظر لَا يخفى، وَالْكَلَام فِيهِ قد مر فِي الْبَاب الَّذِي قبله.
وَهَمَّام على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ هُوَ ابْن يحيى بن دِينَار الْبَصْرِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وَأَبُو غلاب بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة هُوَ كنية يُونُس بن جُبَير بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (فَقَالَ: أتعرف ابْن عمر) إِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِك مَعَ أَنه يعرف أَنه يعرفهُ، وَهُوَ الَّذِي يخاطبه ليقرر على اتِّبَاع السّنة، وعَلى الْقبُول من ناقلها وَإنَّهُ يلْزمه الْعَامَّة الِاقْتِدَاء بمشاهير الْعلمَاء فقرره على مَا يلْزمه من ذَلِك لَا أَنه ظن أَنه لَا يعرفهُ. قَوْله: (أَرَأَيْت) أَي: أَخْبرنِي وَلم يشْتَرط هُنَا تكْرَار الطُّهْر بِخِلَاف الحَدِيث الَّذِي سبق لِأَن التّكْرَار هُوَ الْأَوْلَوِيَّة والأفضلية وَإِلَّا فَالْوَاجِب هُوَ حُصُول الطُّهْر فَقَط.
٤ - (بابُ مَنْ أجازَ طَلَاقَ الثَّلَاثِ لقَوْل الله تَعَالَى: { (٢) الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} (الْبَقَرَة: ٩٢٢)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أجَاز تطليق الْمَرْأَة بِالطَّلَاق الثَّلَاث دفْعَة وَاحِدَة. وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بَاب من جوز الطَّلَاق الثَّلَاث، وَهَذَا أوجه وَاضح، وَوضع البُخَارِيّ هَذِه التَّرْجَمَة إِشَارَة إِلَى أَن من السّلف من لم يجوز وُقُوع الطَّلَاق الثَّلَاث، وَفِيه خلاف. فَذهب طَاوُوس وَمُحَمّد بن إِسْحَاق وَالْحجاج بن أَرْطَأَة وَالنَّخَعِيّ وَابْن مقَاتل والظاهرية إِلَى أَن الرجل إِذا طلق امْرَأَته ثَلَاثًا مَعًا فقد وَقعت عَلَيْهَا وَاحِدَة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث طَاوُوس: أَن أَبَا الصَّهْبَاء قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: الْعلم إِنَّمَا كَانَت الثَّلَاث تجْعَل وَاحِدَة على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبي بكر، وَثَلَاثًا من إِمَارَة عمر. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: نعم. وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَقيل: لَا يَقع شَيْء وَمذهب جَمَاهِير الْعلمَاء من التَّابِعين وَمن بعدهمْ مِنْهُم: الْأَوْزَاعِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَأَصْحَابه وَمَالك وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَأحمد وَأَصْحَابه، وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، عل أَن من طلق امْرَأَته ثَلَاثًا وقعن، وَلكنه يَأْثَم، وَقَالُوا: من خَالف فِيهِ فَهُوَ شَاذ مُخَالف لأهل السّنة، وَإِنَّمَا تعلق بِهِ أهل الْبدع وَمن لَا يلْتَفت إِلَيْهِ لشذوذه عَن الْجَمَاعَة الَّتِي لَا يجوز عَلَيْهِم التواطؤ على تَحْرِيف الْكتاب وَالسّنة. وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس بِمَا ملخصه إِنَّه مَنْسُوخ، بَيَانه أَنه لما كَانَ زمن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (يَا أَيهَا النَّاس! قد كَانَ لكم فِي الطَّلَاق أَنَاة وَإنَّهُ من تعجل أَنَاة الله فِي الطَّلَاق ألزمناه إِيَّاه) ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح وخاطب عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بذلك النَّاس الَّذين قد علمُوا مَا قد تقدم من ذَلِك فَفِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يُنكر عَلَيْهِ مِنْهُم مُنكر وَلم يَدْفَعهُ دَافع، فَكَانَ ذَلِك أكبر الْحجَج فِي نسخ مَا تقدم من ذَلِك، وَقد كَانَ فِي أَيَّام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشْيَاء على معانٍ فَجَعلهَا أَصْحَابه من بعده على خلاف تِلْكَ الْمعَانِي، فَكَانَ ذَلِك حجَّة ناسخة لما تقدم، من ذَلِك: تدوين الدَّوَاوِين وَبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد قد كن يبعن قبل ذَلِك، والتوقيت فِي حد الْخمر وَلم يكن فِيهِ تَوْقِيت. فَإِن قلت: مَا وَجه هَذَا النّسخ وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَا ينْسَخ؟ وَكَيف يكون النّسخ بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: لما خَاطب عمر الصَّحَابَة بذلك فَلم يَقع إِنْكَار صَار إِجْمَاعًا، والنسخ بِالْإِجْمَاع جوزه بعض مَشَايِخنَا بطرِيق أَن الْإِجْمَاع مُوجب علم الْيَقِين كالنص فَيجوز أَن يثبت النّسخ بِهِ، وَالْإِجْمَاع فِي كَونه حجَّة أقوى من الْخَبَر الْمَشْهُور، فَإِذا كَانَ النّسخ جَائِزا بالْخبر الْمَشْهُور فِي الزِّيَادَة على النَّص فجوازه بِالْإِجْمَاع أولى فَإِن قلت: هَذَا إِجْمَاع على النّسخ من تِلْقَاء أنفسهم فَلَا يجوز ذَلِك فِي حَقهم قلت: يحْتَمل أَن يكون ظهر لَهُم نَص أوجب النّسخ وَلم ينْقل إِلَيْنَا ذَلِك، على أَن الطَّحَاوِيّ وَقد روى أَحَادِيث عَن ابْن عَبَّاس تشهد بانتساخ مَا قَالَه من ذَلِك، مِنْهَا: مَا رَوَاهُ من حَدِيث الْأَعْمَش عَن مَالك بن الْحَارِث قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: إِن عمي طلق امْرَأَته ثَلَاثًا، فَقَالَ: إِن عمك عصى الله فأثمه الله وأطاع الشَّيْطَان، فَلم يَجْعَل لَهُ مخرجا. فَقلت: فَكيف ترى فِي رجل يحلهَا لَهُ؟ فَقَالَ: من يُخَادع الله يخادعه) . وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يشبه أَن يكون ابْن عَبَّاس ثقد علم شَيْئا ثمَّ نسخ لِأَنَّهُ لَا يروي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا ثمَّ يُخَالِفهُ بِشَيْء
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute