لَا تَسْتَلْزِم الْأكل فيحضر وَلَا يَأْكُل، فالترغيب فِي الْإِجَابَة والتحذير عَن الْأكل انْتهى. قلت: الْمحرم فعل صَاحب الطَّعَام وَلَيْسَ يحرم الطَّعَام لدَعْوَة الْأَغْنِيَاء وَترك الْفُقَرَاء. وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ يَقُول: أَنْتُم العاصون فِي الدعْوَة، تدعون من لَا يَأْتِي وتَدَعون من يأتيكم وَقَوله: والتحذير عَن الْأكل فِيهِ نظر لِأَن الْأكل مَأْمُور بِهِ إلَاّ إِذا كَانَ صَائِما لحَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي أخرجه مُسلم: إِذا دعِي أحدكُم فليجب، فَإِن كَانَ مُفطرا فليطعم، وَإِن كَانَ صَائِما فَليصل أَي: فَليدع، وَفعله ابْن عمر وَمد يَده وَقَالَ: بِسم الله، كلوا. فَلَمَّا مد الْقَوْم أَيْديهم، قَالَ: كلوا فَإِنِّي صَائِم. وَقَالَ قوم: ترك الْأكل مُبَاح وَإِن لم يصم إِذا أجَاب الدعْوَة، وَقد أجَاب عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلم يَأْكُل. قلت: إِبَاحَة ترك الْأكل على زعم هَؤُلَاءِ الْقَوْم لَا يسْتَلْزم التحذير عَنهُ كَمَا قَالَه الْكرْمَانِي فِيمَا مضى الْآن، وَالتَّرْغِيب عَن الْأكل. وَيُمكن أَن عليا ترك الْأكل لكَونه صَائِما، وَهَذَا ابْن عمر صرح بِأَنَّهُ صَائِم وَتَركه الْأكل كَانَ لكَونه صَائِما لوُجُوب التحذير عَنهُ.
٣٧ - (بابُ مَنْ أجابَ إِلَى كُرَاعٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أجَاب إِلَى دَعْوَة فِيهَا كرَاع، وَفِي بعض النّسخ: بَاب من دعِي إِلَى كرَاع، والكراع، بِضَم الْكَاف وَتَخْفِيف الرَّاء وبالعين الْمُهْملَة: مستدق السَّاق من الرجل وَمن حد الرسغ من الْيَد وَهُوَ من الْبَقر وَالْغنم بِمَنْزِلَة الوظيف من الْفرس وَالْبَعِير. وَقيل: الكراع مَا دون الكعب من الدَّوَابّ، وَقَالَ ابْن فَارس: كرَاع كل شَيْء طرفه.
٨٧١٥ - حدَّثنا عَبْدَانُ عنْ أبي حَمْزَةَ عنِ الأعْمشِ عنْ أبي حازِمٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لأجَبْتُ ولَوْ أهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ.
(انْظُر الحَدِيث ٨٦٥٢) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة، وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي الْمروزِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان بن مهْرَان، وَأَبُو حَازِم سلمَان الْأَشْجَعِيّ، جَالس أَبَا هُرَيْرَة خمس سِنِين وَتُوفِّي فِي حُدُود الْمِائَة.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي كتاب الْهِبَة فِي: بَاب الْقَلِيل من الْهِبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن بشر بن خَالِد العسكري.
قَوْله: (لَو دعيت) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (إِلَى كرَاع) المُرَاد بِهِ كرَاع الشَّاة، وَقد مر تَفْسِير الكراع آنِفا، وَقَالَ بَعضهم: وَزعم بعض الشُّرَّاح أَن المُرَاد بِالْكُرَاعِ فِي هَذَا الحَدِيث الْمَكَان الْمَعْرُوف بكراع الغميم بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَزعم أَنه أطلق ذَلِك على سَبِيل الْمُبَالغَة فِي الْإِجَابَة، وَلَو بعد الْمَكَان. انْتهى. قلت: هَذَا نفلة الْكرْمَانِي فِي شَرحه حَيْثُ قَالَ: فِي كرَاع، المُرَاد عِنْد الْجُمْهُور كرَاع الشَّاة، وَقيل: هُوَ كرَاع الغميم بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَوضِع على مراحل من الْمَدِينَة من جِهَة مَكَّة، هَذَا كَلَامه فِي شَرحه وَهُوَ نقل هَذَا بقوله، وَقيل: وَمَا زعم وَهُوَ بذلك فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل: وَزعم بعض الشُّرَّاح؟ وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: وَنقل بعض الشُّرَّاح كَذَا وَكَذَا. قَوْله: (لَو أهدي) على صِيغَة الْمَجْهُول من الإهداء وَاللَّام فِي (لَأَجَبْت) وَفِي (لقبلت) للتَّأْكِيد، وَصرح الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء بِأَنَّهُ كرَاع الغميم حَيْثُ قَالَ: وَلَو دعيت إِلَى كرَاع الغميم، وَكَانَ يَنْبَغِي لهَذَا الْقَائِل أَن يناقشه فِي هَذِه الزِّيَادَة، زِيَادَة على قَوْله، وَلَا أصل لهَذِهِ الزِّيَادَة.
وَفِي هَذَا الحَدِيث: دَلِيل على حسن خلقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتواضعه وجبره لقلوب النَّاس، وعَلى قبُول الْهَدِيَّة وَإِن كَانَت قَليلَة، وَإجَابَة من يَدْعُو الرجل إِلَى منزله، وَلَو أعلم أَن الَّذِي يَدعُوهُ إِلَيْهِ قَلِيل، وَقَالَ الْمُهلب: لَا باعث على الدعْوَة إِلَى الطَّعَام إلَاّ صدق الْمحبَّة وسرور الدَّاعِي بِأَكْل الْمَدْعُو من طَعَامه والتحبب إِلَيْهِ بالمواكلة وتوكيد الذمام مَعَه بهَا، فَلذَلِك حض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْإِجَابَة وَلَو كَانَ الْمَدْعُو إِلَيْهِ نزرا.
٤٧ - (بابُ إجابَةِ الدَّاعِي فِي العُرْسِ وغَيْرِها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِجَابَة الدَّاعِي، أَي: فِي إِجَابَة الْمَدْعُو الدَّاعِي. والمصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله، وطوى ذكر الْفَاعِل. قَوْله: (فِي الْعرس) بِضَم الرَّاء وسكونهاوهو طَعَام الْوَلِيمَة، وَهُوَ الَّذِي يعْمل عِنْد الْعرس يُسمى عرسا باسم سَببه. قَوْله: (وَغَيره) أَي: وَغير الْعرس أَي: وَإجَابَة الدَّاعِي فِي غير الْعرس نَحْو طَعَام الْخِتَان وَطَعَام قدوم الْمُسَافِر وَنَحْو ذَلِك، وَرُوِيَ مُسلم من حَدِيث الزبيدِيّ عَن نَافِع