للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِ وَسلم ناسٌ عنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيءٍ. فقالُوا: يَا رسولَ الله! إنهُمْ يُحَدِّثُونا أحْياناً بِشيءٍ فَيكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُها مِنَ الجِنِّيِّ فَيَقُرُّها فِي أُذُنِ ولِيِّه فَيَخْلِطُونَ مَعَها مائَةَ كَذْبَةٍ، قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ عبْدُ الرَّزَّاقِ: مُرْسَلٌ، الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ، ثُمَّ بَلغَني أنَّهُ أسْنَدَهُ بَعْدهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عَن الْكُهَّان) وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وَيحيى بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام الْقرشِي الْمدنِي، يروي عَن أَبِيه عُرْوَة، وَالظَّاهِر أَن الزُّهْرِيّ فَاتَهُ هَذَا الحَدِيث عَن عُرْوَة مَعَ كَثْرَة رِوَايَته عَن عُرْوَة، فَجعله عَن ابْنه يحيى وَلَيْسَ ليحيى فِي البُخَارِيّ إلَاّ هَذَا الحَدِيث، وَيحيى وَقع عَن ظهر بَيت تَحت أرجل الدَّوَابّ فقطعته.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد عَن أَحْمد بن صَالح وَفِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن سَلام. وَأخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن عبد بن حميد وَغَيره.

قَوْله: (سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناسٌ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: سَأَلَ نَاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعند مُسلم من رِوَايَة معقل مثله. قَوْله: (فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْء) أَي: لَيْسَ قَوْلهم بِشَيْء يعْتَمد عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: لَيْسُوا بِشَيْء. قَوْله: (يحدثونا) ويروى يحدثوننا بنونين على الأَصْل. قَوْله: (حَقًا) أَي: وَاقعا ثَابتا، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ ضد الْبَاطِل. قَوْله: (تِلْكَ الْكَلِمَة من الْحق) كَذَا بحاء مُهْملَة وقاف، وَوَقع فِي مُسلم: تِلْكَ الْكَلِمَة المسموعة من الْجِنّ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: كَذَا فِي نسخ: بِلَادنَا، بِالْجِيم وَالنُّون، أَي: الْكَلِمَة المسموعة من الْجِنّ، وَقَالَ: حكى عِيَاض أَنه وَقع فِي مُسلم بِالْحَاء وَالْقَاف. قَوْله: (يَخْطفهَا من الجني) هَكَذَا رِوَايَة السَّرخسِيّ أَن الكاهن يَخْطفهَا من الجني، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: يَخْطفهَا الجني، والخطف الْأَخْذ بالسرعة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يحفظها، بِتَقْدِيم الْفَاء بعْدهَا ظاء مُعْجمَة من الْحِفْظ. قَوْله: (فيقرها) بِفَتْح الْيَاء وَالْقَاف وَتَشْديد الرَّاء، أَي: يصبهَا، تَقول: قررت على رَأسه دلواً إِذا صببته فَكَأَنَّهُ صب فِي أُذُنه ذَلِك الْكَلَام، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَيصِح أَن يُقَال: مَعْنَاهُ ألفاها فِي أُذُنه بِصَوْت يُقَال: قر الطَّائِر إِذا صَوت، وَفِي رِوَايَة يُونُس: فَيقر قرها، أَي: يُرَدِّدهَا. يُقَال: قرقرت الدَّجَاجَة تقرقر قرقرة إِذا رددت صَوتهَا، وَقَالَ الْخطابِيّ: وَيُقَال أَيْضا: قرت الدَّجَاجَة تقرقراً وقريراً، وَإِذا رجعت فِي صَوتهَا يُقَال: قرقرت قرقرة وقرقرية، وَالْمعْنَى أَن الجني إِذا ألْقى الْكَلِمَة لوَلِيِّه تسامع بهَا الشَّيَاطِين فيناقلوها كَمَا إِذا صوتت الدَّجَاجَة فَسَمعَهَا الدَّجَاج فجاوبتها. قَوْله: (فِي إِذن وليه) أَي: الكاهن إِنَّمَا عدل من الكاهن إِلَى قَوْله: (وليه) للتعميم فِي الكاهن وَغَيره مِمَّن يوالي الْجِنّ. قَوْله: (مائَة كذبة) وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: أَكثر من مائَة كذبة، وَيدل هَذَا على أَن ذكر الْمِائَة للْمُبَالَغَة لَا للتعيين. قَوْله: (كذبة) بِالْفَتْح وَحكي الْكسر، قَالَ بَعضهم: وَأنْكرهُ بَعضهم لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْهَيْئَة وَالْحَالة وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه. قلت: هَذَا مَوْضِعه لِأَن كذبتهم بِالْكَسْرِ تدل على أَنْوَاع الكذبات، وَهَذَا أبلغ من معنى الْفَتْح على مَا لَا يخفى قَوْله: (قَالَ عَليّ) هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، (قَالَ عبد الرَّزَّاق: هُوَ مُرْسل الْكَلِمَة الْحق) أَرَادَ أَن ابْن الْمَدِينِيّ قَالَ: إِن عبد الرَّزَّاق كَانَ يُرْسل هَذَا الْقدر من الحَدِيث، ثمَّ إِنَّه بعد ذَلِك وَصله بِذكر عَائِشَة فِيهِ، وَقد أخرجه مُسلم عَن عبد بن حميد من حَدِيث عبد الرَّزَّاق مَوْصُولا كَرِوَايَة هِشَام بن يُوسُف عَن معمر.

٤٧ - (بابُ السِّحْرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان السحر وَأَنه ثَابت مُحَقّق، وَلِهَذَا أَكثر البُخَارِيّ فِي الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ بِالْآيَاتِ الدَّالَّة عَلَيْهِ. والْحَدِيث الصَّحِيح وَأكْثر الْأُمَم من الْعَرَب وَالروم والهند والعجم بِأَنَّهُ ثَابت وَحَقِيقَته مَوْجُودَة وَله تَأْثِير، وَلَا إستحالة فِي الْعقل فِي أَن الله تَعَالَى يخرق الْعَادة عِنْد النُّطْق بِكَلَام ملفق أَو تركيب أجسام وَنَحْوه على وَجه لَا يعرفهُ كل أحد، وَأما تَعْرِيف السحر فَهُوَ أَمر خارق للْعَادَة صادر عَن نفس شريرة لَا يتَعَذَّر معارضته، وَأنكر قوم حَقِيقَته وأضافوا مَا يَقع مِنْهُ إِلَى خيالات بَاطِلَة لَا حَقِيقَة لَهَا، وَهُوَ اخْتِيَار أبي جَعْفَر الاستراباذي من الشَّافِعِيَّة وَأبي بكر الرَّازِيّ من الْحَنَفِيَّة وَابْن حزم الظَّاهِرِيّ، وَالصَّحِيح قَول كَافَّة الْعلمَاء يدل عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة. فَإِن قلت: مَا وَجه إِيرَاد: بَاب السحر، فِي كتاب الطِّبّ؟ قلت: لَا شكّ أَن السحر نوع من الْمَرَض وَهُوَ يمرض المسحور، وَلِهَذَا ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أما وَالله لقد شفاني) على مَا يَأْتِي عَن

<<  <  ج: ص:  >  >>