للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: بَال الشَّيْطَان فِي أُذُنه) . قَوْله: (فِي أُذُنه) بِضَم الذَّال وسكونها، وَفِي رِوَايَة جرير: (فِي أُذُنَيْهِ) ، بالتثنية. وَاخْتلفُوا فِي معنى قَوْله: (بَال الشَّيْطَان) ، فَقيل: هُوَ على حَقِيقَته. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَا مَانع من حَقِيقَته لعدم الإحالة فِيهِ لِأَنَّهُ ثَبت أَنه يَأْكُل وَيشْرب وينكح، فَلَا مَانع من أَن يَبُول. وَقَالَ الْخطابِيّ: هُوَ تَمْثِيل، شبه تثاقل نَومه وإغفاله عَن الصَّلَاة بِحَال من يبال فِي أُذُنه فيثقل سَمعه وَيفْسد حسه. قَالَ: وَإِن كَانَ المُرَاد حَقِيقَة عين الْبَوْل من الشَّيْطَان نَفسه فَلَا يُنكر ذَلِك إِن كَانَت لَهُ هَذِه الصّفة. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: هُوَ اسْتِعَارَة عَن تحكمه فِيهِ وانقياده لَهُ. وَقَالَ التوريشتي: يحْتَمل أَن يُقَال: إِن الشَّيْطَان مَلأ سَمعه بالأباطيل فأحدث فِي أُذُنه وقرا عَن اسْتِمَاع دَعْوَة الْحق، وَقيل: هُوَ كِنَايَة عَن استهانة الشَّيْطَان وَالِاسْتِخْفَاف بِهِ، فَإِن من عَادَة المستخف بالشَّيْء أَن يَبُول عَلَيْهِ لِأَنَّهُ من شدَّة استخفافه بِهِ يَتَّخِذهُ كالكنيف الْمعد للبول. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: مَعْنَاهُ أفسد، يُقَال: بَال فِي كَذَا أَي: أفسد، وَالْعرب تكنى عَن الْفساد بالبول. قَالَ الراجز:

(بَال سُهَيْل فِي الفضيخ ففسد)

وَوَقع فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا الحَدِيث عِنْد أَحْمد، قَالَ الْحسن: إِن بَوْله وَالله لثقيل، وروى مُحَمَّد بن نصر من طَرِيق قيس ابْن أبي حَازِم (عَن ابْن مَسْعُود: حسب رجل من الخيبة وَالشَّر أَن ينَام حى يصبح وَقد بَال الشَّيْطَان فِي أُذُنه) ، وَهُوَ مَوْقُوف صَحِيح الْإِسْنَاد. فَإِن قلت: لم خص الْأذن بِالذكر وَالْعين أنسب بِالنَّوْمِ؟ قلت: قَالَ الطَّيِّبِيّ: إِشَارَة إِلَى ثقل النّوم، فَإِن المسامع هِيَ موارد الانتباه، وَخص الْبَوْل من الأخبثين لِأَنَّهُ أسهل مدخلًا فِي التجاويف وأوسع نفوذا فِي الْعُرُوق فيورث الكسل فِي جَمِيع الْأَعْضَاء.

٤١ - (بابُ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء فِي الصَّلَاة من آخر اللَّيْل، وَهُوَ الثُّلُث الْأَخير مِنْهُ. قَوْله: (فِي الصَّلَاة) ، بِكَلِمَة: فِي، رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره، بَاب الدُّعَاء وَالصَّلَاة، بِحرف: وَاو، الْعَطف.

وقَالَ الله عزَّ وجَلَّ {كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} أَي مَا يَنَامُونَ {وبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الذاريات: ٧١، ٨١) .

وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: وَقَول الله، عز وَجل، فعلى هَذِه تكون هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة من جملَة التَّرْجَمَة على مَا لَا يخفى، وَزَاد الْأصيلِيّ بعد قَوْله: {مَا يهجعون} (الذاريات: ٧١، ٨١) . أَي: مَا ينامون، يُقَال: هجع يهجع هجوعا، وَهُوَ: النّوم بِاللَّيْلِ دون النَّهَار، وَرجل هاجع من قوم هجع وهجوع، وَامْرَأَة هاجعة من نسْوَة هجع وهواجع وهاجعات. وَفِي (الْمُحكم) : قد يكون الهجوع بَين نوم، وَقوم هجع وهجوع وَنسَاء هجع وهجوع وهواجع وهاجعات جمع الْجمع. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهاجع كل نَائِم. وَفِي (الْكَامِل) : التهجاع النومة الْخَفِيفَة.

٥٤١١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ أبِي شِهَابٍ عنْ أبِي سَلَمَةَ وأبِي عَبْدِ الله الأغَرِّ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ الله عنْهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْألُنِي فأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ لَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهِي أَن التَّرْجَمَة فِي الدُّعَاء فِي آخر اللَّيْل، والْحَدِيث يخبر أَن من دَعَا فِي ذَلِك الْوَقْت يستجيب الله تَعَالَى دعاءه.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عبد الله بن مسلمة القعْنبِي. الثَّانِي: مَالك بن أنس. الثَّالِث: مُحَمَّد ابْن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الرَّابِع: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن. الْخَامِس: أَبُو عبد الله الْأَغَر، بالغين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء: واسْمه سلمَان الثَّقَفِيّ والأغر لقبه. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رِجَاله كلهم مدنيون، غير أَن ابْن سَلمَة سكن الْبَصْرَة. وَفِيه: ابْن شهَاب مَذْكُور بنسبته إِلَى جده. وَفِيه: ثَلَاثَة مذكورون بالكنية وَوَاحِد

<<  <  ج: ص:  >  >>