أَي هَذَا بَاب قَول اتعالى إِنَّمَا بوب بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة لِأَن فِيهَا بَيَان الْقبْلَة على مَا نذكرهُ، وَهَذَا أَيْضا هُوَ وَجه الْمُنَاسبَة فِي ذكر هَذَا الْبَاب بَين هَذِه الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة هَهُنَا الْمُتَعَلّقَة بالقبلة وأحكامها. قَوْله:(وَاتَّخذُوا) بِلَفْظ الْأَمر على الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَاتَّخذُوا على إِرَادَة القَوْل أَي: وَقُلْنَا: اتَّخذُوا مِنْهُ مَوضِع صَلَاة تصلونَ فِيهِ، وَهُوَ على وَجه الِاخْتِيَار والاستحباب دون الْوُجُوب. وَقَالَ غَيره: وقرىء بِلَفْظ الْمَاضِي عطفا على {جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس وَأمنا وَاتَّخذُوا}(الْبَقَرَة: ٥٢١) وَقد اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي المُرَاد بالْمقَام مَا هُوَ؟ فَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حدّثنا عَمْرو بن شيبَة النميري حدّثنا أَبُو خلف، يَعْنِي: عبد ابْن عِيسَى، حدّثنا دَاوُد بن أبي هِنْد عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى}(الْبَقَرَة: ٥٢١) قَالَ: مقَام إِبْرَاهِيم الْحرم كُله، وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد وَعَطَاء مثل ذَلِك. وَقَالَ السّديّ: الْمقَام: الْحجر الَّذِي وَضعته زَوْجَة إِسْمَاعِيل تَحت قدم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، حَتَّى غسلت رَأسه، حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ وَضَعفه وَرجح غَيره، وَحَكَاهُ الرَّازِيّ فِي (تَفْسِيره) عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَالربيع بن أنس، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حدّثنا الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح حدّثنا عبد الْوَهَّاب بن عَطاء عَن ابْن جريج عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه سمع جَابِرا يحدث عَن حجَّة النَّبِي قَالَ: (لما طَاف النَّبِي قَالَ لَهُ عمر رَضِي اتعالى عَنهُ: هَذَا مقَام أَبينَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أَفلا نتخذه مصلى؟ فَأنْزل اعز وَجل:{وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} (الْبَقَرَة: ٥٢١) .
وَقَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة: حدّثنا أَبُو أُسَامَة عَن زَكَرِيَّا عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي ميسرَة، قَالَ: قَالَ عمر: (قلت: يَا رَسُول اهذا مقَام خَلِيل رَبنَا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أَفلا نتخذه مصلى؟ فَنزلت:{وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} (الْبَقَرَة: ٥٢١) . وَقَالَ ابْن مرْدَوَيْه؛ حدّثنا دعْلج بن أَحْمد حدّثنا غيلَان بن عبد الصَّمد حدّثنا مَسْرُوق بن الْمَرْزُبَان حدّثنا زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن أبي إِسْحَاق عَن عَمْرو بن مَيْمُون:(عَن عمر بن الْخطاب أَنه مر بمقام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا رَسُول األيس تقوم مقَام خَلِيل ا؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: أَفلا نتخذه مصلى؟ فَلم يلبث إلَاّ يَسِيرا حَتَّى نزلت: (وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى)(الْبَقَرَة: ٥٢١) وَحكى ابْن بطال عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: الْحَج كُله مقَام إِبْرَاهِيم، وَقَالَ مُجَاهِد: الْحرم كُله مقَام إِبْرَاهِيم، وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ قَالَ: هُوَ عَرَفَة وَجمع وَمنى. وَقَالَ عَطاء: مقَام، إِبْرَاهِيم عَرَفَة والمزدلفة والجمار، وَاخْتلفُوا فِي قَوْله:{مصلى}(الْبَقَرَة: ٥٢١) فَقَالَ مُجَاهِد: مدعى، كَأَنَّهُ أَخذه من: صليت، بِمَعْنى: دَعَوْت. وَقَالَ الْحسن؛ قبْلَة، وَقَالَ السّديّ وَقَتَادَة: أمروا أَن يصلوا عِنْده، وَلَا شكّ أَن من صلى إِلَى الْكَعْبَة من غير الْجِهَات الثَّلَاث الَّتِي لَا تقَابل مقَام إِبْرَاهِيم فقد أدّى فَرْضه، فالفرض إِذا الْبَيْت لَا الْمقَام، وَقد صلى الشَّارِع خَارِجهَا، وَقَالَ: هَذِه الْقبْلَة، وَلم يسْتَقْبل الْمقَام حِين صلى داخلها، ثمَّ اسْتقْبل الْمقَام فَإِن الْمقَام إِنَّمَا يكون قبْلَة، إِذا جعله الْمصلى بَينه وَبَين الْقبْلَة.
٦٠ - (حَدثنَا الْحميدِي قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار قَالَ سَأَلنَا ابْن عمر عَن رجل طَاف بِالْبَيْتِ للْعُمْرَة وَلم يطف بَين الصَّفَا والمروة أَيَأتِي امْرَأَته فَقَالَ قدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا وَصلى خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ وَطَاف بَين الصَّفَا والمروة وَقد لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة وَسَأَلنَا جَابر بن عبد الله فَقَالَ لَا يقربنها حَتَّى يطوف بَين الصَّفَا والمروة) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَصلى خلف الْمقَام "(ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول الْحميدِي بِضَم الْحَاء وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف واسْمه عبد الله بن الزبير الْقرشِي الْأَسدي أَبُو بكر الْمَكِّيّ ونسبته إِلَى بطن من قُرَيْش يُقَال لَهُ حميد بن زُهَيْر بن الْحَارِث بن أَسد بن عبد الْعُزَّى. الثَّانِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث عَمْرو بن دِينَار الْمَكِّيّ. الرَّابِع عبد الله بن عمر بن الْخطاب. الْخَامِس جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه السُّؤَال فِي موضِعين وَفِيه أَن رُوَاته الثَّلَاثَة مكيون وَلَا يدْخل هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند جَابر لِأَنَّهُ لم يرفعهُ إِنَّمَا هُوَ من مُسْند ابْن عمر قَالَه خلف