هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس عَن همام بن يحيى عَن قَتَادَة عَن أنس، وَقيل: هِشَام، فِي بعض النّسخ قَالَ الْكرْمَانِي: قيل: هُوَ الصَّحِيح وَالْفرق بَين الطَّرِيقَيْنِ أَن الأولى بِلَفْظ العنعنة، وَالثَّانيَِة بِلَفْظ التحديث، وَتَعْلِيق همام هَذَا تقدم مَوْصُولا فِي كتاب الرقَاق.
٢٦ - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالَاْرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل أَن الله الْآيَة. قَوْله: أَن تَزُولَا أَي: كَرَاهَة أَن تَزُول. قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ، والإمساك منع، وَعَن ابْن عَبَّاس: أَنه قَالَ لرجل مقبل من الشَّام: من لقِيت بِهِ؟ قَالَ: كَعْبًا. قَالَ: وَمَا سمعته يَقُول؟ قَالَ: سمعته يَقُول: إِن السَّمَوَات على منْكب ملك. قَالَ كذب كَعْب، أما ترك يَهُودِيَّته بعد؟ ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة.
٧٤٥١ - حدّثنا مُوسَى، حدّثنا أبُو عَوَانَةَ، عنِ الأعْمَشِ، عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلْقَمَةَ، عنْ عَبْدِ الله قَالَ: جاءَ حبْرٌ إِلَى رسولِ الله فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّ الله يَضَعُ السَّماءَ عَلى إصْبَعٍ، والأرْضَ عَلى إصبْعٍ، والجِبالَ عَلى إصْبَعٍ والشَّجَرَ والأنْهارَ عَلى إصْبَعٍ، وسائِرَ الخَلْقِ عَلى إصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ بِيَدِهِ: أَنا المَلِكُ، فَضَحِكَ رسولُ الله وَقَالَ: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَىْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِى جَآءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُو اْ أَنتُمْ وَلَاءَابَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي من قَوْله: إِن الله يضع لِأَن مَعْنَاهُ فِي الْحَقِيقَة يمسك لِأَنَّهُ جَاءَ بِلَفْظ: يمسك فِي: بَاب قَوْله: {قَالَ ياإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} وَحَدِيث الْبَاب أَيْضا مر هُنَاكَ مَعَ شَرحه.
ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل، وَأَبُو عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وعلقمة هُوَ ابْن قيس، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
قَوْله: جَاءَ حبر بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَجَاء كسرهَا بعْدهَا بَاء مُوَحدَة سَاكِنة ثمَّ رَاء، وَذكر صَاحب الْمَشَارِق أَنه وَقع فِي بعض الرِّوَايَات: جَاءَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ: وَهُوَ تَصْحِيف فَاحش.
٢٧ - (بابُ مَا جاءَ فِي خَلْقِ السَّماوَاتِ والأرْضِ وغَيْرِهما مِنَ الخَلَائِقِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ إِلَى آخِره قَوْله: فِي خلق السَّمَوَات، كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: فِي تخليق السَّمَوَات وَالْأول أولى وَعَلِيهِ شرح ابْن بطال، وغرضه فِي هَذَا الْبَاب أَن يعرفك أَن السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا كل ذَلِك مَخْلُوق لقِيَام دَلَائِل الْحُدُوث بهَا من الْآيَات الشاهدات من انتظام الْحِكْمَة وإيصال الْمَعيشَة فيهمَا، وَقَامَ برهَان الْعقل على أَن لَا خَالق غير الله، وَبَطل قَول من يَقُول: إِن الطبائع خالقة للْعَالم، وَإِن الأفلاك السَّبْعَة هِيَ الفاعلة وَإِن الظلمَة والنور خالقان، وَقَول من زعم: إِن الْعَرْش هُوَ الْخَالِق. وفسدت جَمِيع هَذِه الْأَقْوَال بِقِيَام الدَّلِيل على حُدُوث ذَلِك كُله وافتقاره إِلَى مُحدث لِاسْتِحَالَة وجود مُحدث لَا مُحدث لَهُ، كاستحالة وجود مَضْرُوب لَا ضَارب لَهُ، وَكتاب الله عز وَجل شَاهد بِصِحَّة هَذَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {ياأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَآءِ وَالَاْرْضِ لَا إِلَاهَ إِلَاّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} فنفى كل خَالق سواهُ والآيات فِيهِ كَثِيرَة.
وهْوَ فِعْلُ الرَّبِّ تبارَكَ وَتَعَالَى وأمْرُهُ، فالرَّبُّ بِصِفاتِهِ وفِعْلِهِ وأمْرِهِ وكَلَامِهِ وهْوَ الخالِقُ هُوَ المُكَوِّنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَمَا كانَ بِفِعْلِهِ وأمرِهِ وتَخْليقِهِ وتَكْوِينِهِ فَهُوَ مَفْعُولٌ ومَخْلُوقٌ ومُكَوَّنٌ.
وَهُوَ أَي الْخَالِق أَو التخليق بِاعْتِبَار الرِّوَايَتَيْنِ فعل الرب وَأمره أَي بقول: كن. قَوْله: بصفاته كالقدرة وَفعله أَي: خلقه. قَوْله: وَكَلَامه من عطف الْعَام على الْخَاص لِأَن المُرَاد بِالْأَمر هُنَا هُوَ قَوْله: كن، وَهُوَ من جملَة كَلَامه، وَسقط فِي بعض النّسخ قَوْله: وَفعله. قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ أولى ليَصِح لفظ غير مَخْلُوق. قَوْله: هُوَ المكون بِكَسْر الْوَاو، وَاخْتلف فِي التكوين هَل هِيَ صفة فعل قديمَة أَو حَادِثَة؟ فَقَالَ جمع من السّلف مِنْهُم أَبُو حنيفَة. رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هِيَ قديمَة، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم ابْن كلاب والأشعري: هِيَ حَادِثَة لِئَلَّا يلْزم أَن يكون الْمَخْلُوق قَدِيما، وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ يُوجد فِي الْأَزَل صفة الْخلق وَلَا مَخْلُوق. قَوْله: