للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٢ - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وآتُوا اليَتَامَى أمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بالطَّيِّبِ وَلَا تأكُلُوا أمْوَالَهُمْ إِلَى أمْوَالِكُمْ إنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً وإنْ خِفْتُمْ أنْ لَا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فانْكِكُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ} (النِّسَاء: ٢١، ٣١)

هَذَا الْبَاب، وَثَلَاثَة أَبْوَاب بعده مترجمة بآيَات من الْقُرْآن أدخلها بَين أَبْوَاب الْوَقْف الْمَذْكُورَة فِي كتاب الْوَصَايَا، وَلَيْسَ لذكرها فِيهَا وَجه كَمَا يَنْبَغِي، وَلَكِن من حَيْثُ إِن الْأَمر فِي الْأَوْقَاف وَالنَّظَر فِيهَا جعل إِلَى من يَليهَا، كَمَا جعل أَمْوَال الْيَتَامَى إِلَى من يَلِي أَمرهم وَينظر فيهم، فالنظر فِي الْأَوْقَاف كالنظر لِلْيَتَامَى فِي رِعَايَة الْمصَالح، والمباشرة بالأمانات، وَإِبَاحَة تنَاول الْجعَالَة للنظار بِالْمَعْرُوفِ كإباحتها للأوصياء بِالْمَعْرُوفِ، وَهَذَا مِمَّا فتح لي من الْقَبْض الإلهي زادنا الله بَصِيرَة فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة والدنيوية. قَوْله: عز وَجل {وَآتوا الْيَتَامَى} (النِّسَاء: ٢١ ٣١) . أَي: أعْطوا أَمْوَال الْيَتَامَى إِلَيْهِم إِذا بلغُوا الْحلم كَامِلَة موفرة. قَوْله: {وَلَا تتبدلوا الْخَبيث بالطيب} (النِّسَاء: ٢١ ٣١) . أَي: الْحَرَام بالحلال، وَلَا تجْعَلُوا الزيف بدل الْجيد والمهزول بدل السمين، وَقَالَ سعيد بن جُبَير وَالزهْرِيّ: لَا تعط مهزولاً وَلَا تَأْخُذ سميناً. وَقَالَ السّديّ: كَانَ أحدهم يَأْخُذ الشَّاة السمينة من غنم الْيَتِيم وَيجْعَل فِيهَا مَكَانهَا الشَّاة المهزولة، يَقُول: شَاة بِشَاة، وَيَأْخُذ الدِّرْهَم الْجيد ويطرح مَكَانَهُ الزيف، وَيَقُول: دِرْهَم بدرهم. وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أبي صَالح: لَا تعجل بالرزق الْحَرَام قبل أَن يَأْتِيك الرزق الْحَلَال. وَقَالَ سعيد بن جُبَير: لَا تبدل الْحَرَام من أَمْوَال النَّاس بالحلال من أَمْوَالكُم. قَوْله: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} (النِّسَاء: ٢١ ٣١) . قَالَ سعيد بن جُبَير وَمُجاهد وَمُقَاتِل بن حَيَّان وَالسُّديّ وسُفْيَان بن حُسَيْن، أَي: لَا تخلطوها فتأكلوها جَمِيعًا. وَقيل: إِلَى، بِمَعْنى: مَعَ، والأجود أَن يكون موضعهَا، وَيكون الْمَعْنى: وَلَا تضموا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم. قَوْله: إِنَّه كَانَ حوباً كَبِيرا} (النِّسَاء: ٢١ ٣١) . قَالَ ابْن عَبَّاس أَي: إِثْمًا كَبِيرا عَظِيما. وَهَكَذَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بن جُبَير وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَآخَرين، وروى ابْن مرْدَوَيْه بِإِسْنَادِهِ إِلَى وَاصل مولى ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن سِيرِين عَن ابْن عَبَّاس أَن أَبَا أَيُّوب طلق امْرَأَته، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا أَبَا أَيُّوب! إِن طَلَاق أم أَيُّوب كَانَ حوباً) . وَقَالَ ابْن سِيرِين: الْحُوب الْإِثْم. قَوْله: {وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا} (النِّسَاء: ٢١ ٣١) . أَي: إِن خِفْتُمْ أَن لَا تعدلوا فِي نِكَاح الْيَتَامَى، فَحذف لفظ: النِّكَاح، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: كَمَا خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى فخافوا مثل ذَلِك فِي سَائِر النِّسَاء، وَانْكِحُوا مَا طَابَ لكم مِنْهُنَّ، وَقيل: مَعْنَاهُ: إِذا كَانَت تَحت حجر أحدكُم يتيمة وَخَافَ أَن لَا يُعْطِيهَا مهر مثلهَا فليعدل إِلَى مَا سواهَا من النِّسَاء فَإِنَّهُنَّ كثير، وَلم يضيق الله عَلَيْهِ، وَقيل: كَانَت قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة يكثرون التَّزْوِيج بِلَا حصر، فَإِذا كثرت عَلَيْهِم الْمُؤَن وَقل مَا بِأَيْدِيهِم أكلُوا مَا عِنْدهم من أَمْوَال الْيَتَامَى، فَقيل لَهُم: إِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى فانكحوا إِلَى الْأَرْبَع. قَوْله: {مَا طَابَ لكم} أَي: من طَابَ لكم.

٣٦٧٢ - حدَّثنا أبُو اليَمان قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ كانَ عُرْوةُ بنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ أنَّهُ سألَ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا {وإنْ خِفْتُمْ أنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (النِّسَاء: ٢١ ٣١) . قَالَ هِيَ لِلْيَتِيمَة فِي حجْرِ ولِيِّها فيَرْغَبُ فِي جَمالِهَا ومالِها ويُرِيدُ أنْ يَتَزَوَّجَهَا بأدْنى مِنْ سُنَّةِ نِسائِها فنُهُوا عنْ نِكَاحِهِنَّ إلَاّ أنْ يُقُسِطُوا لَهُنَّ فِي إكْمَالِ الصَّدَّاق وأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّساءِ قالَتْ عائِشَةُ ثُمَّ اسْتَفْتَى الناسُ رسولَ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعْدُ فأنْزَلَ الله عزَّ وَجلَّ {ويَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} (النِّسَاء: ٧٢١) . قالَتْ فبَيَّنَ الله فِي هَذِهِ الآيَةِ أنَّ اليَتِيمَةَ إذَا كانَتْ ذَاتَ جَمالٍ ومالٍ رغِبُوا فِي نِكَاحِهَا ولَمْ يُلْحِقُوها بِسُنَّتِها بإكْمَالِ الصَّدَّاقِ فإذَا كانَتْ مَرْغُوبَةً عنْها فِي قِلَّةِ المالِ والجَمالِ تَرَكُوهَا والْتَمَسُوا غَيْرَهَا منَ النِّسَاءِ قَالَ فَكَمَا يَتْرُكونها حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْها فَلَيْسَ لَهُمْ أنْ يَنْكِحُوها إذَا رَغِبُوا فيهَا إلَاّ أنْ يُقُسِطُوا لَها الأوْفى مِنَ الصَّدَاقِ ويُعْطُوهَا حَقَّها.

.

<<  <  ج: ص:  >  >>