بذله وَسَهل عَلَيْهِ الْمَشْي فركوبه أَكثر أجرا لَهُ، وَهَذَا على اعْتِبَار الْمَشَقَّة فِي الأجور.
٩٨ - (بابُ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ أَي: الظّهْر وَالْعصر بِعَرَفَة يَوْم عَرَفَة، وَلم يبين الحكم اكْتِفَاء بِمَا فِي حَدِيث الْبَاب، أَو لمَكَان الْخلاف فِيهِ، فَإِن مَالِكًا وَالْأَوْزَاعِيّ قَالَا: يجوز الْجمع بِعَرَفَة والمزدلفة لكل أحد، وَهُوَ وَجه للشَّافِعِيَّة، وَقَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَعند أبي حنيفَة: لَا يجمع بَينهمَا إلَاّ من صلاهَا مَعَ الإِمَام، وَهُوَ مَذْهَب النَّخعِيّ وَالثَّوْري وَعند الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد، سَبَب هَذَا الْجمع السّفر، حَتَّى لَا يجوز لأهل مَكَّة وَلَا لمن كَانَ مُقيما هُنَاكَ أَن يجمع. وَفِي (الرَّوْضَة) : أما الْحجَّاج من أهل الْآفَاق فَيجْمَعُونَ بَين الظّهْر وَالْعصر بِعَرَفَة فِي وَقت الظّهْر، وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء بِمُزْدَلِفَة فِي وَقت الْعشَاء، وَذَلِكَ الْجمع بِسَبَب السّفر على الْمَذْهَب الصَّحِيح، وَقيل: بِسَبَب النّسك، فَإِن قُلْنَا بِالْأولِ فَفِي جمع الْمَكِّيّ قَولَانِ، لِأَن سَفَره قصير وَلَا يجمع الْعرفِيّ بِعَرَفَة وَلَا المزدلفي بِمُزْدَلِفَة لِأَنَّهُ وَطنه، وَهل يجمع كل وَاحِد مِنْهُمَا بالبقعة الْأُخْرَى؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ كالمكي، وَإِن قُلْنَا بِالثَّانِي جَازَ الْجمع لجميعهم، وَمن الْأَصْحَاب من يَقُول: فِي جمع الْمَكِّيّ قَولَانِ: الْجَدِيد مَنعه، وَالْقَدِيم جَوَازه، وعَلى الْقَدِيم فِي الْعرفِيّ والمزدلفي وَجْهَان، وَالْمذهب جمعهم على الْإِطْلَاق، وَحكم الْجمع فِي البقعتين حكمه فِي سَائِر الْأَسْفَار، وَيتَخَيَّر فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، وَالِاخْتِيَار التَّقْدِيم بِعَرَفَة وَالتَّأْخِير بِمُزْدَلِفَة.
وَكَانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إذَا فاتَتْهُ الصَّلَاةُ معَ الإمَامِ جمَعَ بَيْنَهُمَا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، فَإِن فِيهِ الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي الْمَنَاسِك لَهُ، قَالَ: حَدثنَا الحوضي عَن همام أَن نَافِعًا حَدثهُ أَن ابْن عمر كَانَ إِذا لم يدْرك الإِمَام يَوْم عَرَفَة جمع بَين الظّهْر وَالْعصر فِي منزله، وَأخرجه الثَّوْريّ فِي (جَامعه) بِرِوَايَة عبد الله بن الْوَلِيد الْعَدنِي عَنهُ عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد عَن نَافِع مثله، وَأخرجه ابْن الْمُنْذر من هَذَا الْوَجْه.
وقالَ اللَّيْثُ حدَّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أخْبَرنِي سَالِمٌ أنَّ الحَجَّاجَ بنَ يُوسُفَ عامَ نَزَلَ بابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا سَألَ عَبْدَ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ كَيْفَ تَصْنعُ فِي المَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ سالِمٌ إنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فهَجِّرْ بِالصَّلاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ فقالَ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ صَدَقَ إنَّهُم كانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ والْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ فقُلْتُ لِسالِمٍ أفعَلَ ذَلِكَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ سالِمٌ وهَلْ تَتَّبِعُونَ فِي ذالِكَ إلَاّ سُنَّتَهُ. مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانُوا يجمعُونَ بَين الظّهْر وَالْعصر) ، وَاللَّيْث هُوَ ابْن سعد، وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر. وَهَذَا تَعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق يحيى بن بكير وَأبي صَالح جَمِيعًا عَن اللَّيْث.
قَوْله: (عَام نزل بِابْن الزبير) ، وَهُوَ عبد الله بن الزبير، وَكَانَ نُزُوله فِي سنة ثَلَاث وَسبعين. قَوْله: (سَأَلَ عبد الله) ، أَي سَأَلَ الْحجَّاج عبد الله بن عمر. قَوْله: (فهجِّر) أَمر من التهجير أَي: صلِّ بالهاجرة، وَهِي شدَّة الْحر. قَوْله: (فِي السّنة) ، بِضَم السِّين وَتَشْديد النُّون أَي: سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمحل هَذِه نصب على الْحَال من فَاعل: يجمعُونَ، أَي: متوغلين فِي السّنة، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك تعريضا بالحجاج. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا وَجه مُطَابقَة كَلَام عبد الله لكَلَام وَلَده سَالم؟ ثمَّ أجَاب بقوله، لَعَلَّه أَرَادَ من الصَّلَاة صَلَاة الظّهْر وَالْعصر كليهمَا، فَكَأَنَّهُ أَمر بتهجير الصَّلَاتَيْنِ، فَصدقهُ عبد الله فِي ذَلِك. قَوْله: (فَقلت لسالم) الْقَائِل هُوَ ابْن شهَاب. قَوْله: (أفعل ذَلِك؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام. قَوْله: (وَهل تتبعون؟) بتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا عين مُهْملَة: من الِاتِّبَاع، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: تَبْتَغُونَ، بِفَتْح التائين المثناتين من فَوق بَينهمَا بَاء مُوَحدَة وبالغين الْمُعْجَمَة: من الابتغاء، وَهُوَ الطّلب. قَوْله: (فِي ذَلِك) أَي: فِي ذَلِك الْفِعْل، وَفِي رِوَايَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute