قالَتْ عائِشَةُ: فَجِئْتُ إِلَى رسولِ الله فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنا المَدِينَةَ كَحُبِّنا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ اللَّهُمَّ وصَحِّحْها وباركْ لَنا فِي مُدِّها وصاعِها. وانْقُلْ حُمَّاها فاجْعَلْها بالجُحْفَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَدخلت عَلَيْهِمَا) لِأَن دُخُول عَائِشَة عَليّ أبي بكر وبلال كَانَ لعيادتهما، وهما متوعكان.
والْحَدِيث قد مر فِي: بَاب مقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك ... إِلَى آخِره، وَهنا عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن مَالك، وَمر الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا، تركنَا أَكْثَره هُنَا خوفًا من التّكْرَار.
قَوْله: (كَيفَ تجدك؟) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، أَي: كَيفَ تَجِد نَفسك. قَوْله: (أدنى) أَي: أقرب، والشراك بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة أحد سيور النَّعْل الَّتِي تكون على وَجهه. قَوْله: (بوادٍ) بالتنكير أَي: وَادي مَكَّة، والإذخر والجليل نباتان، ومجنة بِفَتْح الْمِيم وَالْجِيم وَتَشْديد النُّون اسْم مَوضِع على أَمْيَال من مَكَّة، وَكَانَ سوقاً فِي الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: (يبدون) بالنُّون الْخَفِيفَة أَي: هَل يظْهر، وشامة وطفيل جبلان بِمَكَّة، والجحفة بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالفاء مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَهِي مِيقَات أهل الشَّام، وَكَانَ اسْمهَا: مهيعة، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالْعين الْمُهْملَة فأجحف السَّيْل بِأَهْلِهَا فسميت جحفة، وَجوز طَائِفَة نقل الْحمى مَعَ أَنَّهَا عرض. وَالْمعْنَى الصَّحِيح أَن تعدم من الْمَدِينَة وَتظهر فِي الْجحْفَة وَكَانَ أَهلهَا يهود شَدِيد الْإِيذَاء والعداوة للْمُؤْمِنين، فَلذَلِك دَعَا عَلَيْهِم وَأَرَادَ الْخَيْر لأهل الْإِسْلَام.
٩ - (بابُ عِيادَةِ الصِّبْيان)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عِيَادَة الصّبيان، وعيادة مصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله، وطوى فِيهِ ذكر الْفَاعِل، وَالتَّقْدِير: بَاب عِيَادَة الرِّجَال الصّبيان.
٥٦٥٥ - حدّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ: أخبرنِي عاصمٌ قَالَ: سمِعْتُ أَبَا عُثْمانَ عنْ أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ ابْنَةَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْسَلَتْ إليهِ وهْوَ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وسَعْدٌ وأبَيُّ بنُ كَعْبٍ يَحْسِبُ أنَّ ابْنَتِي قَدْ حُضِرَتْ، فأشْهَدْنا فأرْسَلَ إلَيْها السَّلامَ ويَقُولُ: إنَّ لله مَا أخَذَ وَمَا أعْطَى، وكُلُّ شْيءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى فَلْتَحْتَسِبْ ولْتَصِبْر، فأرْسَلَتْ تُقْسِمُ عَلَيْهِ، فَقامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقُمْنا فَرُفِعَ الصَّبيُّ فِي حَجْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونَفْسُهُ تَقَعْقَعُ فَفاضَتْ عَيْنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لهُ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رسولَ الله؟ قَالَ: هاذِهِ رَحْمَةٌ وَضَعَها الله فِي قُلُوبِ مَنْ شاءَ منْ عِبادِهِ، وَلَا يَرْحَمُ الله منْ عِبادِهِ إلَاّ الرُّحمَاءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ إِلَى ابْنَته فَأخذ ابْنهَا فَوَضعه فِي حجره، وَهَذَا عِيَادَة بِلَا شكّ.
وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بِفَتْح النُّون.
وَمضى الحَدِيث فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يعذب الْمَيِّت ببكاء أَهله عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ وَمُحَمّد كِلَاهُمَا عَن عبد الله عَن عَاصِم عَن أبي عُثْمَان. قَالَ: حَدثنِي أُسَامَة بن زيد إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (إِن ابْنة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِن بِنْتا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) . وبنته الَّتِي أرْسلت إِلَيْهِ تَدعُوهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ زَيْنَب، وَابْنهَا اسْمه عَليّ، كَذَا بِخَط شَيخنَا أبي مُحَمَّد الدمياطي، وَقَالَ ابْن بطال: إِن هَذَا الحَدِيث لم يضبطه الرَّاوِي فَمرَّة قَالَ: قَالَت: ابْنَتي قد احتضرت، وَمرَّة قَالَ: فَرفع الصَّبِي وَنَفسه تقَعْقع، فَأخْبر مرّة عَن صبي ورمة عَن صبية. قَوْله: (وَهُوَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: وَالْحَال أَن أُسَامَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَسعد) أَي: ابْن عبَادَة وَأبي بن كَعْب قَوْله: (نحسب) أَي: يظنّ الرَّاوِي أَن أَبَيَا كَانَ مَعَه، وَلَا يجْزم بِكَوْن أبي مَعَه فِي ذَلِك الْوَقْت، وَيدل على هَذَا مَا سيجىء فِي كتاب النذور حَيْثُ قَالَ: وَمَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسَامَة وَسعد أَو أبي، على الشَّك. قَوْله: (قد حضرت) على صِيغَة بِنَاء الْمَجْهُول، ويروى: احتضرت، أَي: حضرها الْمَوْت. قَوْله: (فاشهدنا) أَي احضر إِلَيْنَا قَوْله: (وكل شَيْء مُسَمّى) ويروى: مُسَمّى إِلَى أجل. قَوْله: (فلتحتسب) أَي: لتطلب الْأجر من عِنْد الله، ولتجعل الْوَلَد فِي حِسَابهَا الله تَعَالَى راضية بِقَضَائِهِ. قَوْله: (فِي حجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِفَتْح