مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام عَن القعْنبِي، وَفِي كَفَّارَات الْأَيْمَان عَن عبد الله بن يُوسُف. وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا فِي الْمَنَاسِك عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (أللهم بَارك لَهُم) ، الْبركَة النَّمَاء وَالزِّيَادَة، وَتَكون بِمَعْنى الثَّبَات واللزوم. وَقيل: يحْتَمل أَن تكون هَذِه الْبركَة دينية، وَهِي مَا يتَعَلَّق بِهَذِهِ الْمَقَادِير من حُقُوق الله تَعَالَى فِي الزَّكَاة وَالْكَفَّارَات، فَتكون بِمَعْنى الثَّبَات والبقاء بهَا لبَقَاء الحكم بهَا بِبَقَاء الشَّرِيعَة وثباتها، وَيحْتَمل أَن تكون دنيوية من تَكْثِير الْكَيْل وَالْقدر بِهَذِهِ الأكيال حَتَّى يَكْفِي مِنْهُ مَا لَا يَكْفِي مثله من غَيره فِي غير الْمَدِينَة، أَو ترجع الْبركَة فِي التَّصَرُّف بهَا فِي التِّجَارَة وأرباحها أَو إِلَى كَثْرَة مَا يُكَال بهَا من غلاتها وثمارها، أَو تكون الزِّيَادَة فِيمَا يُكَال بهَا لاتساع عيشهم وكثرته بعد ضيقه بِمَا فتح الله عَلَيْهِم، ووسع من فَضله لَهُم، وملكهم من بِلَاد الخصب والريف بِالشَّام وَالْعراق ومصر وَغَيرهَا، حَتَّى كثر الْحمل إِلَى الْمَدِينَة، واتسع عيشهم حَتَّى صَارَت هَذِه الْبركَة فِي الْكَيْل نَفسه، فَزَاد مدهم وَصَارَ هاشميا مثل مد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرَّتَيْنِ أَو مرّة وَنصفا، وَفِي هَذَا كُله ظُهُور إِجَابَة دَعوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقبولها هَذَا كُله كَلَام القَاضِي عِيَاض، رَحمَه الله. قَوْله: (فِي مكيالهم) ، بِكَسْر الْمِيم: آلَة الْكَيْل، وَيسْتَحب أَن يتَّخذ ذَلِك الْمِكْيَال رَجَاء لإجابة دَعوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والاستنان بِأَهْل الْبَلَد الَّذين دَعَا لَهُم.
٤٥ - (بابُ مَا يُذْكَرُ فِي بَيْعِ الطَّعامِ والحُكْرَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يذكر فِي بيع الطَّعَام قبل الْقَبْض. قَوْله: (والحكرة) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْكَاف: حبس السّلع عَن البيع. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الحكرة احتكار الطَّعَام، أَي: حَبسه يتربص بِهِ الغلاء، هَذَا بِحَسب اللُّغَة. وَأما الْفُقَهَاء فقد اشترطوا لَهَا شُرُوطًا مَذْكُورَة فِي الْفِقْه. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَيْسَ فِي أَحَادِيث الْبَاب ذكر الحكرة، وساعد بَعضهم البُخَارِيّ فِي ذَلِك فَقَالَ: وَكَأن المُصَنّف استنبط ذَلِك من الْأَمر بِنَقْل الطَّعَام إِلَى الرّحال وَمنع بيع الطَّعَام قبل اسْتِيفَائه. قلت: سُبْحَانَ الله؟ هَذَا استنباط عَجِيب، فَمَا وَجه هَذَا الاستنباط وَكَيف يستنبط مِنْهُ الإحتكار الشَّرْعِيّ؟ وَلَيْسَ الْأَمر إلَاّ مَا قَالَه الْإِسْمَاعِيلِيّ؟ أللهم إلَاّ إِذا قُلْنَا: إِن البُخَارِيّ لم يرد بقوله: والحكرة، إلَاّ مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ، وَهُوَ الْحَبْس مُطلقًا، فَحِينَئِذٍ يُطلق على الَّذِي يَشْتَرِي مجازفة وَلم يَنْقُلهُ إِلَى رَحْله أَنه محتكر لُغَة، لَا شرعا، فَافْهَم، فَإِنَّهُ دَقِيق لَا يخْطر إلَاّ بخاطر من شرح الله صَدره بفيضه.
وَقد ورد فِي ذمّ الاحتكار أَحَادِيث: مِنْهَا: مَا رَوَاهُ معمر بن عبد الله مَرْفُوعا: (لَا يحتكر إلَاّ خاطىء) ، رَوَاهُ مُسلم. وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (من احتكر على الْمُسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس) . وَرُوِيَ أَيْضا عَنهُ مَرْفُوعا: (الجالب مَرْزُوق والمحتكر مَلْعُون) ، وَأخرجه الْحَاكِم وَإِسْنَاده ضَعِيف. وروى أَحْمد من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: (من احتكر طَعَاما أَرْبَعِينَ لَيْلَة فقد برىء من الله تَعَالَى وبرىء مِنْهُ) ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا، وَفِي إِسْنَاده مقَال. وروى الْحَاكِم أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (من احتكر حكرة يُرِيد أَن يغالي بهَا على الْمُسلمين فَهُوَ خاطىء.
١٣١٢ - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهيمَ قَالَ أخبرنَا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عنِ الأوْزَاعِيِّ عنْ الزُّهْرِيِّ عنْ سالِمٍ عنْ أبِيهِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رَأيْتُ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ الطَّعامَ مُجَازَفةً يُضْرَبُونَ عَلى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يُؤْوُهُ إلَى رِحَالِهِمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ إِنَّه يتَضَمَّن منع بيع الطَّعَام قبل الْقَبْض، لِأَن الإيواء الْمَذْكُور فِيهِ عبارَة عَن الْقَبْض، وضربهم على تَركه يدل على اشْتِرَاط الْقَبْض، والترجمة فِيمَا يذكر فِي الطَّعَام، وَالَّذِي ذكر فِي الطَّعَام يَعْنِي الَّذِي ذكره فِي أَمر الطَّعَام، هَذَا يَعْنِي منع بَيْعه قبل الإيواء الَّذِي هُوَ عبارَة عَن الْقَبْض.
وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، والوليد بن مُسلم أَبُو الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي، وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمُحَاربين عَن عَيَّاش الرقام. وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عبد الْأَعْلَى عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ (عَن