أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: الْمَنّ شِفَاء للعين، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة االأكثرين بِاللَّامِ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: شِفَاء من الْعين، وَوَجهه أَن الْمُضَاف فِيهِ مَحْذُوف تَقْدِيره: الْمَنّ شِفَاء من دَاء الْعين مثل: {واسأل الْقرْيَة} (يُوسُف: ٨٢) أَي: أهل الْقرْيَة، وَلَيْسَ المُرَاد من قَوْلهم: الْمَنّ الْمصدر الَّذِي هُوَ الامتنان، بل المُرَاد بِهِ هُوَ الْعَسَل الحلو الَّذِي ينزل من السَّمَاء على شجر فَيُؤْخَذ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ ينزل من السَّمَاء على بني إِسْرَائِيل، وَوجه كَونه شِفَاء للعين أَنه يُربي بِهِ الْكحل والتوتيا وَنَحْوهمَا مِمَّا يكتحل بِهِ فينتفع بذلك، وَلَيْسَ بِأَن يكتحل بِهِ وَحده لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْعين ويقذيها.
٥٧٠٨ - حدّثنا مُحمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عبْدِ المَلِكِ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرو بنَ حُرَيْثٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعيدَ بنُ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: الكَمْأةُ مِنَ المَنِّ وماؤها شِفاءٌ لِلْعَيْنِ. (انْظُر الحَدِيث: ٤٤٧٨ وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الكمأة لما كَانَت من الْمَنّ وَأَن ماءها شِفَاء للعين كَانَ الْمَنّ أَيْضا شِفَاء للعين لِأَنَّهُ الَّذِي ثَبت للفرع فثبوته للْأَصْل بِالطَّرِيقِ الأولى. وَأما معنى كَون الكمأة من الْمَنّ فَهُوَ أَن الْمَنّ ينزل من السَّمَاء عفوا بِلَا علاج، وَكَذَلِكَ الكمأة لَا مُؤنَة فِيهَا ببذر وَلَا سقِِي، وَيُقَال: المُرَاد بِالْعينِ الَّتِي هِيَ النظرة للشَّيْء يتعجب مِنْهُ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة من روى: شِفَاء من الْعين.
وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال وَضمّهَا هُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر وَقد صرح بِهِ أَحْمد فِي رِوَايَته عَن غنْدر، وَعَمْرو بن حُرَيْث المَخْزُومِي الصَّحَابِيّ، وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل الْعَدوي أحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ. وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
وَقد مر الحَدِيث فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة، وَمر الْكَلَام فِيهِ من أَن الكمأة جمع وَاحِدهَا (كمء) على غير قِيَاس، وَهُوَ من النَّوَادِر.
قَالَ شُعْبَةُ وَأَخْبرنِي الحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ عنِ الحَسَنِ العُرَنِيِّ عنْ عَمْرو بنِ حُرَيْث عنْ سَعيدِ بنِ زَيْدٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ شُعْبَةُ: لَمَّا حدَّثني بِهِ الحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ المَلِك.
قَوْله: (قَالَ شُعْبَة) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَالَ شُعْبَة، بواو الْعَطف وَصورته صُورَة التَّعْلِيق.
وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الْبَاب، وَالْحسن العرني بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وبالنون هُوَ ابْن عبد الله البَجلِيّ الْكُوفِي وَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة وَالْعجلِي وَابْن سعد، وَقَالَ يحيى بن معِين: صَدُوق وَمَاله فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الْموضع.
قَوْله: (لم أنكرهُ من حَدِيث عبد الْملك) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن عبد الْملك لما كبر وَتغَير حفظه توقف شُعْبَة فِي حَدِيثه، فَلَمَّا تَابعه الحكم فِي رِوَايَته ثَبت عِنْد شُعْبَة فَلم يُنكره، وانتفى عَنهُ التَّوَقُّف. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم أنكرهُ، أَي: مَا أنْكرت على الحكم من جِهَة مَا حَدثنِي بِهِ عبد الْملك، وَذَلِكَ لِأَن الحكم روى مُعَنْعنًا وَعبد الْملك بِلَفْظ: سَمِعت أوَ لِأَن الحكم مُدَلّس، فَلَمَّا تقوى بِرِوَايَة عبد الْملك لم يبْق مَحل للإنكار، أَو مَعْنَاهُ: لم يكن الحَدِيث منكوراً أَي: مَجْهُولا لي من جِهَة أَنِّي كنت حفظته من عبد الْملك، فعلى الأول الضَّمِير للْحكم، وَهُوَ بِمَعْنى الْإِنْكَار، وعَلى الثَّانِي للْحَدِيث، وَهُوَ من النكرَة ضد الْمعرفَة، وَيحْتَمل الْعَكْس بِأَن يُرَاد: لم أنكر شَيْئا من حَدِيث عبد الْملك.
٢١ - (بابُ اللدُودِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اللدود، بِفَتْح اللَّام وبدالين مهملتين الأولى مضومة وَهُوَ الَّذِي يصب من أحد جَانِبي فَم الْمَرِيض، يُقَال: لددت الْمَرِيض لداً ألقيت الدَّوَاء فِي شقّ فِيهِ، وَهُوَ التحنيك بالإصبع كَمَا قَالَ سُفْيَان.
٥٧٠٩ - ٥٧١٠ ٥٧١١ ح دّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله حدَّثنا يَحْياى بنُ سَعيدٍ حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ: حدّثني مُوسَى بنُ أبي عائِشةَ عَن عُبَيْدِ الله بنِ عبْدِ الله عنِ ابنِ عبَّاسٍ وعائِشَةَ أنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِي الله عَنهُ قَبَّلَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ مَيِّتٌ. ٥٧٠٩ (انْظُر الحَدِيث: ٤٤٥٦) ، ٥٧١
٥٧١٢ - قَالَ: وقالَتْ عائِشَةُ: لَدَدْناهُ فِي مَرَضِهِ فَجَعَلَ يُشيرُ إلَيْنا أنْ لَا تَلُدُّونِي. فَقُلْنا: كَراهِيَةُ المَرِيضِ