١٩٤ - حدّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ بن المِنْكَدِرِ قالَ سَمِيْتُ جابِراً يَقُولُ جاءَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعُودُني وَانَا مَرِيضٌ لَا اَعْقلُ فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ علَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَعَقَلْتُ فَقُلْتُ يَا رسولَ اللَّهِ لِمَنِ المِيرَاثُ إنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ فَنزلَتْ آيَةُ الفَرَائِضِ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم أَرْبَعَة. الأول: أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ هِشَام بن عبد الْملك، تقدم فِي كتاب الايمان. الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج، وَقد تكَرر ذكره. الثَّالِث: مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر التَّيْمِيّ الْقرشِي التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، الْجَامِع بَين الْعلم والزهد، وَكَانَ الْمُنْكَدر خَال عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَشكى إِلَيْهَا الْحَاجة فَقَالَت لَهُ: أول شَيْء يأتيني أبْعث بِهِ إِلَيْك، فَجَاءَهَا عشرَة آلَاف دِرْهَم، فَبعثت بهَا إِلَيْهِ فَاشْترى مِنْهَا جَارِيَة فَولدت لَهُ مُحَمَّدًا إِمَامًا متألهاً بكاء، مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة. الرَّابِع: جَابر بن عبد الله الصَّحَابِيّ الْكَبِير، تقدم فِي كتاب الْوَحْي.
بَيَان لطائف إِسْنَاده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والعنعنة وَالسَّمَاع. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي ومدني وَمِنْهَا: أَنهم كلهم أَئِمَّة أجلاء.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ هُنَا عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي الطِّبّ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر، وَفِي الْفَرَائِض عَن عبد الله بن عُثْمَان عَن عبد الله بن الْمُبَارك. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَرَائِض عَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن بهز بن أَسد، عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن النَّضر بن شُمَيْل وَأبي عَامر الْعَقدي، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن وهب بن جرير. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ، وَفِي الطَّهَارَة، وَفِي التَّفْسِير، وَفِي الطِّبّ عَن مُحَمَّد بن الْأَعْلَى عَن خَالِد بن الْحَارِث، ثمانيتهم عَنهُ بِهِ.
بَيَان اللُّغَات وَالْمعْنَى وَالْإِعْرَاب قَوْله: (يَقُول) جملَة وَقعت حَالا، وَكَذَا قَوْله: (يعودنِي) . وَكَذَا قَوْله: (وَأَنا مَرِيض لَا أَعقل) اي: لَا أفهم، وَحذف مَفْعُوله إِمَّا للتعميم أَي: لَا أَعقل شَيْئا، أَو لجعله كالفعل اللَّازِم. قَوْله: (من وضوئِهِ) ، بِفَتْح الْوَاو: مَعْنَاهُ من المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ، أَو مِمَّا بَقِي مِنْهُ. وَأخرج فِي الِاعْتِصَام عَن عَليّ بن عبد الله: ثمَّ صب وضوءه عَليّ، وَلأبي دَاوُد: (فَتَوَضَّأ وصبه عَليّ) . قَوْله: (لمن الْمِيرَاث) ؟ الْألف وَاللَّام فِيهِ عوض عَن يَاء الْمُتَكَلّم، أَي: لمن ميراثي، وَيُؤَيِّدهُ مَا أخرجه فِي الِاعْتِصَام أَنه قَالَ: (كَيفَ اصْنَع فِي مالى) ؛ وَفِي رِوَايَة: (مَا تَأْمُرنِي أَن أصنع فِي مَالِي) ؟ وَفِي أُخْرَى: (كَيفَ أَقْْضِي فِي مَالِي) ، وَفِي أُخْرَى: (إِنَّمَا ترثني سبع أَخَوَات) ، وَفِي أُخْرَى فَنزلت: {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} (النِّسَاء: ١١) . قَوْله: (كَلَالَة) فِيهَا أَقْوَال أَصَحهَا: مَا عدا الْوَالِد وَالْولد، وَفِيه حَدِيث صَحِيح من طَرِيق الْبَراء بن عَازِب. وَقيل: مَا عدا الْوَلَد خَاصَّة، وَقيل: الْأُخوة للام، وَقيل: بَنو الْعم وَمن أشبهم، وَقيل: الْعَصَبَات كلهم وَإِن بعدوا، ثمَّ قيل: للْوَرَثَة، وَقيل: للْمَيت، وَقيل: لَهما، وَقيل: لِلْمَالِ الْمَوْرُوث. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الكُّل: الَّذِي لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد، يُقَال: كَلُّ الرجل يكلُّ كَلَالَة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: تطلق الْكَلَالَة على ثَلَاثَة: على من لم يخلف ولدا وَلَا والداً، وعَلى من لَيْسَ بِولد وَلَا وَالِد من الْمُخلفين، وعَلى الْقَرَابَة من غير جِهَة الْوَلَد وَالْوَالِد. قَوْله: (فَنزلت آيَة الْفَرَائِض) وَهِي قَوْله تَعَالَى: {يستفتونك قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة} (النِّسَاء: ١٧٦)
إِلَى آخر السُّورَة، وَقيل: هِيَ آيَة الْمَوَارِيث مُطلقًا. والفرائض: جمع فَرِيضَة، وَالْمرَاد هَهُنَا: الحصص الْمقدرَة فِي كتاب الله للْوَرَثَة.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: قَالَ ابْن بطال فِيهِ دَلِيل على طهورية المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ، لِأَنَّهُ لَو لم يكن طَاهِرا لما صبه عَلَيْهِ. قلت: لَيْسَ فِيهِ دَلِيل، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه صب من الْبَاقِي فِي الْإِنَاء. الثَّانِي: فِيهِ رقية الصَّالِحين للْمَاء ومباشرتهم إِيَّاه، وَذَلِكَ مِمَّا يُرْجَى بركته. الثَّالِث: فِيهِ دَلِيل على أَن بركَة يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزيل كل عِلّة. الرَّابِع: فِيهِ أَن مَا يقْرَأ على المَاء مِمَّا ينفع. الْخَامِس: فِيهِ فَضِيلَة عِيَادَة الضُّعَفَاء. السَّادِس: فِيهِ فَضِيلَة عِيَادَة الأكابرِ الأصاغرَ.
٤٥ - (بابُ الْغُسْلِ وَالوُضُوءِ فِي المِخْضَبِ والقَدَحِ والخَشَبِ والحِجَارَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْغسْل وَالْوُضُوء فِي المخضب، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة. قَالَ ابْن سَيّده: المخضب شبه الإجانة، وَقَالَ صَاحب (الْمُنْتَهى) : هُوَ المركن. وَقَالَ ابو هِلَال العسكري فِي كتاب (التَّلْخِيص) : إِنَاء يغسل فِيهِ. وَفِي (مجمع الغرائب) هُوَ إجانة تغسل فِيهِ الثِّيَاب وَيُقَال لَهُ المركن. قَوْله: (والقدح) وَاحِد الأقداح الَّتِي للشُّرْب