أَي: وَبَاب فِي بَيَان من قَالَ: لَا يجوز، عطفا على: بَاب النجش وَقَوله: (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى البيع الَّذِي وَقع بالنجش، وَاخْتلفُوا فِيهِ، فَنقل ابْن الْمُنْذر عَن طَائِفَة من أهل الحَدِيث فَسَاد ذَلِك البيع، وَهُوَ قَول أهل الظَّاهِر، وَرِوَايَة عَن مَالك، وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد الْحَنَابِلَة: إِذا كَانَ ذَلِك بمواطأة البَائِع وصنيعه، وَالْمَشْهُور عِنْد الْمَالِكِيَّة فِي مثل ذَلِك ثُبُوت الْخِيَار، وَهُوَ وَجه للشَّافِعِيّ قِيَاسا على الْمُصراة، وَالأَصَح عِنْدهم صِحَة البيع مَعَ الْإِثْم، وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة.
وَقَالَ ابنُ أبِي أوْفَى النَّاجِشُ آكِلُ رِبا خائِنٌ
ابْن أبي أوفى هُوَ عبد الله بن أبي أوفى، وَاسم أبي أوفى: عَلْقَمَة بن خَالِد بن الْحَارِث أَبُو إِبْرَاهِيم، وَقيل: أَبُو مُحَمَّد، وَقيل: أَبُو مُعَاوِيَة، أَخُو زيد بن أبي أوفى، لَهما ولأبيهما صُحْبَة، وَهُوَ من جملَة من رَآهُ أَبُو حنيفَة، وَهُوَ آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة بِالْكُوفَةِ، وَهَذَا طرف من حَدِيث أوردهُ البُخَارِيّ فِي الشَّهَادَات فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا} (آل عمرَان: ٧٧) . ثمَّ سَاق فِيهِ من طَرِيق يزِيد بن هَارُون عَن السكْسكِي عَن عبد الله بن أبي أوفى، قَالَ: أَقَامَ رجل سلْعَته فَحلف بِاللَّه لقد أعطي بهَا مَا لم يُعْط، فَنزلت. قَالَ ابْن أبي أوفى: الناجش آكل رَبًّا خائن، وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَن ابْن أبي أوفى مَرْفُوعا، لَكِن قَالَ: مَلْعُون، بدل: خائن. قَوْله: (الناجش) ، اسْم فَاعل من نجش، وَقد مر تَفْسِيره. قَوْله: (آكل رَبًّا) . قَالَ الْكرْمَانِي: أَي كآكل الرِّبَا، قلت: مُرَاده الْمُبَالغَة فِي كَونه عَاصِيا مَعَ علمه بِالنَّهْي، كَمَا أَن آكل الرِّبَا عاصٍ مَعَ علمه بِحرْمَة الرِّبَا، ويروى: آكل الرِّبَا بِالْألف وَاللَّام. قَوْله: (خائن) ، خبر بعد خبر، وخيانته فِي كَونه غاشا خادعا.
وهْوَ خِدَاعٌ باطِلٌ لَا يَحِلُّ
هَذَا من كَلَام البُخَارِيّ أَي: النجش خداع أَي: مخادعة لِأَنَّهُ مشارك لمن يزِيد فِي السّلْعَة، وَهُوَ لَا يُرِيد أَن يَشْتَرِيهَا بغرور الْغَيْر وخداعه. قَوْله: (بَاطِل) غير حق لَا يُفِيد شَيْئا أصلا لَا يحل فعله.
قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الخَدِيعَةُ فِي النَّارِ
هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) من حَدِيث قيس بن سعد بن عبَادَة: لَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (الْمَكْر والخديعة فِي النَّار لَكُنْت من أمكر النَّاس) ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ. قَوْله: (الخديعة فِي النَّار) أَي: صَاحب الخديعة فِي النَّار، وَيحْتَمل أَن يكون فعيلاً بِمَعْنى الْفَاعِل، وَالتَّاء للْمُبَالَغَة نَحْو: رجل عَلامَة.
ومنْ عَمَلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أمْرُنا فَهْوَ رَدٌّ
أَي: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من عمل) الحَدِيث، وَهَذَا يَأْتِي مَوْصُولا من حَدِيث عَائِشَة فِي كتاب الصُّلْح. قَوْله: (أمرنَا) ، أَي: شرعنا الَّذِي نَحن عَلَيْهِ. قَوْله: (فَهُوَ رد) أَي: مَرْدُود عَلَيْهِ فَلَا يقبل مِنْهُ.
٢٤١٢ - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حَدثنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ النَّجْشِ. (الحَدِيث ٢٤١٢ طرفه فِي: ٣٦٩٦) .
قد مر تَفْسِير النجش وَمَا فِيهِ من أَقْوَال الْعلمَاء، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي ترك الْحِيَل عَن قُتَيْبَة، وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات عَن مُصعب بن عبد الله الزبيرِي وَأبي حذافة أَحْمد بن إِسْمَاعِيل، قَالَ أَبُو عمر: رَوَاهُ أَبُو سعيد إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد قَاضِي الْمَدَائِن عَن يحيى بن مُوسَى الْبَلْخِي أَنبأَنَا عبد الله بن نَافِع عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر، نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التَّخْيِير، والتخيير أَن يمدح الرجل السّلْعَة بِمَا لَيْسَ فِيهَا، هَكَذَا قَالَ التَّخْيِير، وَفَسرهُ، وَلم يُتَابع على هَذَا اللَّفْظ، وَالْمَعْرُوف النجش.
١٦ - (بابُ بَيْعِ الْغَرَرِ وحَبْلِ الْحَبَلَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع الْغرَر، وَبَيَان حكم بيع حَبل الحبلة. (الْغرَر) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبراءين أولاهما مَفْتُوحَة