للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والصمد هُوَ الْقَصْد فِي اللُّغَة. وَالثَّامِن: أَن ستْرَة الإِمَام ستْرَة للْقَوْم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ. وَالتَّاسِع: ذكر أَصْحَابنَا أَن الْمُعْتَمد الغرز دون الْإِلْقَاء، والخط، لِأَن الْمَقْصُود هُوَ الدرء فَلَا يحصل بالإلقاء وَلَا بالخط، وَفِي (مَبْسُوط) شيخ الْإِسْلَام: إِنَّمَا يغرز إِذا كَانَت الأَرْض رخوة، فَإِذا كَانَت صلبة لَا يُمكنهُ فَيَضَع وضعا. لِأَن الْوَضع قد وري كَمَا رُوِيَ الغرز، لَكِن يضع طولا لَا عرضا. وروى أَبُو عصمَة عَن مُحَمَّد: إِذا لم يجد ستْرَة؟ قَالَ: لَا يخط بَين يَدَيْهِ، فَإِن الْخط وَتَركه سَوَاء، لِأَنَّهُ لَا يَبْدُو للنَّاظِر من بعيد. وَقَالَ الشَّافِعِي بالعراق: إِن لم يجد مَا يخط خطا طولا، وَبِه أَخذ بعض الْمُتَأَخِّرين. وَفِي (الْمُحِيط) : الْخط لَيْسَ بِشَيْء. وَفِي (الذَّخِيرَة) للقرافي: الْخط بَاطِل، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَجوزهُ أَشهب فِي (الْعُتْبِيَّة) وَهُوَ قَول سعيد بن جُبَير وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ بالعراق، ثمَّ قَالَ بِمصْر: لَا يخط، والمانعون أجابوا عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور أَنه ضَعِيف. وَقَالَ عبد الْحق: ضعفه جمَاعَة ابْن حزم فِي (الْمحلى) : لم يَصح فِي الْخط شَيْء وَلَا يجوز القَوْل بِهِ. والعاشر: أَن الستْرَة إِذا كَانَت مَغْصُوبَة فَهِيَ مُعْتَبرَة عندنَا وَعَن أَحْمد تبطل صلَاته، وَمثله الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْمَغْصُوب عِنْده.

الثَّانِي من الْأَحْكَام أَن الدرء، وَهُوَ: دفع الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي هَل هُوَ وَاجِب أَو ندب؟ فَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا الْأَمر، أَعنِي قَوْله: (فليدفعه) ، أَمر ندب متأكد وَلَا أعلم أحدا من الْفُقَهَاء أوجبه. قلت: قَالَ أهل الظَّاهِر بِوُجُوبِهِ لظَاهِر الْأَمر، فَكَأَن النَّوَوِيّ مَا أطلع على هَذَا، أَو اعْتد بخلافهم. وَقَالَ ابْن بطال: اتَّفقُوا على دفع الْمَار إِذا صلى إِلَى ستْرَة، فَأَما إِذا صلى إِلَى غير الستْرَة فَلَيْسَ لَهُ، لِأَن التَّصَرُّف وَالْمَشْي مُبَاح لغيره فِي ذَلِك الْموضع الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، فَلم يسْتَحق أَن يمنعهُ إلَاّ مَا قَامَ الدَّلِيل عَلَيْهِ، وَهِي الستْرَة الَّتِي وَردت السّنة بمنعها.

الثَّالِث: إِنَّه يجوز لَهُ الْمَشْي إِلَيْهِ من مَوْضِعه ليَرُدهُ، وَإِنَّمَا يدافعه وَيَردهُ من مَوْضِعه، لِأَن مفْسدَة الْمَشْي أعظم من مروره بَين يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا أُبِيح لَهُ قدر مَا يَنَالهُ من موقفه، وَإِنَّمَا يردهُ إِذا كَانَ بَعيدا مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ وَالتَّسْبِيح، وَلَا يجمع بَينهمَا. وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: لَا يَنْتَهِي دفع الْمَار إِلَى منع مُحَقّق، بل يومىء وَيُشِير بِرِفْق فِي صَدره من يمر بِهِ، وَفِي الْكَافِي للروياني يَدْفَعهُ ويصر على ذَلِك، وَإِن أدّى إِلَى قَتله. وَقيل: يَدْفَعهُ دفعا شَدِيدا أَشد من الدرء، وَلَا يَنْتَهِي إِلَى مَا يفْسد صلَاته، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد مَالك وَأحمد. وَقَالَ أَشهب فِي (الْمَجْمُوعَة) إِن قرب مِنْهُ درأه وَلَا ينازعه، فَإِن مَشى لَهُ ونازعه لم تبطل صلَاته، وَإِن تجاوزه لَا يردهُ لِأَنَّهُ مُرُور ثَان، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم من أَصْحَاب مَالك، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد. وَقَالَ أَبُو مَسْعُود وَسَالم: يردهُ من حَيْثُ جَاءَ، وَإِذا مر بَين يَدَيْهِ مَا لَا تُؤثر فِيهِ إِلَّا الْإِشَارَة كالهرة. قَالَت الْمَالِكِيَّة: دَفعه بِرجلِهِ أَو ألصقه إِلَى السّتْر.

الرَّابِع: هَل يقاتله؟ فِيهِ: فَإِن أَبى فليقاتله. قَالَ عِيَاض: أَجمعُوا على أَنه لَا تلْزمهُ مقاتلته بِالسِّلَاحِ، وَلَا بِمَا يُؤَدِّي إِلَى هَلَاكه فَإِن دَفعه بِمَا يجوز فَهَلَك من ذَلِك فَلَا قَود عَلَيْهِ بِاتِّفَاق الْعلمَاء، وَهل تجب دِيَته أم تكون هدرا؟ فِيهِ مذهبان للْعُلَمَاء، وهما قَولَانِ فِي مَذْهَب مَالك. قَالَ ابْن شعْبَان: عَلَيْهِ الدِّيَة فِي مَاله كَامِلَة، وَقيل: هِيَ على عَاقِلَته، وَقيل: هدر، ذكره ابْن التِّين. وَاخْتلفُوا فِي معنى: فليقاتله، وَالْجُمْهُور على أَن مَعْنَاهُ: الدّفع بالقهر لَا جَوَاز الْقَتْل، وَالْمَقْصُود: الْمُبَالغَة فِي كَرَاهَة الْمُرُور. وَأطلق جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة أَن لَهُ أَن يقاتله حَقِيقَة، ورد ابْن الغربي ذَلِك، وَقَالَ: المُرَاد بالمقاتلة المدافعة. وَقَالَ بَعضهم: معنى فليقاتله، فليلعنه. قَالَ اتعالى. {قتل الخراصون} (الذاريات: ٠١) أَي: لعنُوا وَأنْكرهُ بَعضهم وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: يدْفع فِي نَحره أول مرّة، ويقاتله فِي الثَّانِيَة، وَهِي المدافعة. وَقيل: يؤاخذه على ذَلِك بعد إتْمَام الصَّلَاة ويؤنبه. وَقيل: يَدْفَعهُ دفعا أَشد من الرَّد مُنْكرا عَلَيْهِ. وَفِي (التَّمْهِيد) : الْعَمَل الْقَلِيل فِي الصَّلَاة جَائِز، نَحْو قتل البرغوث، وحك الْجَسَد، وَقتل الْعَقْرَب بِمَا خف من الضَّرْب مَا لم تكن الْمُتَابَعَة والطول، وَالْمَشْي إِلَى الْفرج إِذا كَانَ ذَلِك قَرِيبا، ودرء الْمُصَلِّي وَهَذَا كُله مَا لم يكثر، فَإِن كثر فسد.

الْخَامِس: فِيهِ أَن الْمَار كالشيطان، فِي أَنه يشغل قلبه عَن مُنَاجَاة ربه.

السَّادِس: فِيهِ أَنه يجوز أَن يُقَال للرجل إِذا فتن فِي الدّين: إِنَّه شَيْطَان.

السَّابِع: فِيهِ أَن الحكم للمعاني لَا للأسماء، لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل أَن يصير الْمَار شَيْطَانا بمروره بَين يَدَيْهِ.

الثَّامِن: فِيهِ أَن دفع الأسوأ إِنَّمَا بالأسهل فالأسهل.

التَّاسِع: فِيهِ أَن فِي المنازعات لَا بُد من الرّفْع إِلَى الْحَاكِم وَلَا ينْتَقم الْخصم بِنَفسِهِ.

الْعَاشِر: فِيهِ أَن رِوَايَة الْعدْل مَقْبُولَة وَإِن كَانَ الرَّاوِي لَهُ مُنْتَفعا بِهِ.

١٠١ - (بابُ إثْمِ المَارِ بَيْنَ يَدَيِ المصَلِّي)

أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي، وأصل الْمَار: مارر، فاسكنت الرَّاء اللأولى وادغمت الثَّانِيَة، والإدغام فِي مثله وَاجِب.

<<  <  ج: ص:  >  >>